راديو ترانزستور على خط نهاية الحميمية
منذ اللحظة الأولى، يجد المشاهد نفسه في مسرحية راديو ترانزستور، من كتابة وإخراج وتمثيل أدون خوري ويارا زخور، في محطة تشبه محطات القطار، حيث يخيّم الانتظار وتتثاقل حركة الزمن فوق أرضية خشبية داكنة، وتنعكس الإنارة الخافتة لتضاعف إحساس العزلة، بينما يقف خلف الممثلين هيكل معدني وستائر سوداء توحي بمكان عبور مجهول النهاية.
هكذا تبدأ المسرحية التي انتهت عروضها في السابع من الشهر الجاري على خشبة مسرح مونو: فريدة تقف بفستان أسود قصير ووشاح كبير ملوّن بالأحمر والذهبي بنقوش شرقية تمنحها حضوراً لافتاً. نظاراتها الشمسية الداكنة في الداخل تضيف إليها شيئاً من الغموض والثقة. تحمل في يد كيساً ورقياً كبيراً، وفي الأخرى حقيبة حمراء صغيرة، كأنها وصلت للتو أو تستعد للرحيل. حضورها يشبه حضور زائرة يومية للمحطة، شخصية لا تمر مروراً عابراً، بل تترك أثراً بصرياً وصوتياً في المكان.
إلى جانبها يجلس مهنا على مقعد خشبي بسيط، رافعاً صحيفة أمامه كمن يتجاهل العالم أو يغرق في ما يقرؤه. يرتدي قميصاً فاتحاً وسروالاً بيجياً وحذاء داكناً، في مظهر يوحي بأنه رجل اعتاد هذا المكان جزءاً من يومه. بجانبه حقيبة سوداء كبيرة تكمل صورة رجل يراقب ويتابع ويبحث ويدوّن، كأن وجوده هنا مرتبط بمهمة يعرف هو وحده تفاصيلها.
سبعون دقيقة عن واقع تتبدل فيه المشاعر وتُفكك الروابط
بين الشخصيتين علاقة مكانية واضحة: فريدة تقف مائلة رأسها إلى الأمام تتحدث بنبرة قوية واثقة، وهو يجلس نصف مخفي خلف الصحيفة، كأن بينهما حواراً يبدأ بتوتر أو فجوة في الفهم. المشهد يوحي ببداية لقاء، بداية كشف، بداية حكاية ستتضح لاحقاً: محطة، تذاكر سفر، حديث طويل، وحقيقة غريبة تنتظر أن تظهر.
مهنا هو الباحث: يبحث عن معلومات، عن دلائل، عن معنى، عن نظام في عالم فقد النظام. طريقته في الكلام دقيقة، متقطعة، شبه آلية، كأنه جهاز يعمل بالواجب لا بالرغبة، كأنه جاء من عالم أكثر جفافاً وأقل حرارة. في المقابل، فريدة رسامة حساسة ملوّنة، ينبض كل شيء فيها بالعاطفة حتى حين تحاول إخفاءها. اختلافهما واضح، لكنه ليس
ارسال الخبر الى: