منذ زمن طويل لم أشاهد فيلما تفاعلت معه كما تفاعلت مع الفيلم السوري رؤى حالمة من تأليف وإخراج واحة الراهب ولذا قررت الكتابة عنه لأنني أضع قاعدة خاصة بي وهي أن الأفلام التي أتفاعل معها بذرف الدموع هي أفلام تستحق أن أكتب عنها وفعلا جاء تفاعلي مع هذا الفيلم بالدموع وذرفتها أمام مشهد الطفلة الصغيرة جميلة التي توجه سؤالها لأبيها ببراءة وعفوية مطلقة وتقول له بابا كيف ضاعت فلسطين خطفوها يعني قلت في نفسي إن هذا السؤال بالذات هو السؤال الذي يجب أن تشتغل الأفلام والفنون والثقافة العربية بجميع أشكالها في محاولة تسليط الضوء عليه والإجابة عنه والفيلم هو من نوعية الأفلام التي تتقاطع فيها السياسة والثقافة بشكل جلي وواضح بحيث يظهر تأثيرهما المتبادل في بعضهما وثيمة الفيلم الرئيسة هو أزمة الهزيمة العربية بعد النكبة والنكسة فهو يعمل على مساءلة تلك الأزمة وتسليط الضوء على البنية النفسية للإنسان العربي فيها بطلة الفيلم فتاة شابة تدعى جميلة بوحيرد نادين سلامة أسماها والدها بهذا الاسم مستعيرا اسم المناضلة الجزائرية الشهيرة ومتأملا منها أن تتمثل في شخصيتها صفات تلك المناضلة من حيث الشجاعة والإقدام والجرأة والقدرة على المواجهة واسم جميلة هذا يمثل لها إشكالية كبرى في حياتها بين شخصيتها الحقيقية والشخصية المرسومة لها في رأس والدها فجميلة هي فتاة هشة وبكاءة تعرضت في طفولتها لحوادث تحرش ساهمت في تشكيل بنيتها النفسية الهشة وربت لها عقدة من الحب والرجال على العموم الوضعية التي يرزح تحتها الرجل العربي في زمن الهزيمة هي وضعية الإنسان المقهور وفي جانب آخر من شخصيتها تظهر جميلة في صورة الشابة الطموحة المتمسكة في حقها بالتعليم فهي تختار تخصص الآداب في الجامعة رغم معارضة والدها وتصر على دخوله والتسجيل فيه دون علمه يتخذ الفيلم من جميلة الشابة مركزا ومحورا لأحداثه جميعها وكأنه يستبطن الإشارة إلى أن قضية المرأة هي أم القضايا ويستعرض في العديد من حواراته ومشاهده صنوف الأذى والمشقة التي تتعرض لها جميلة ورفيقاتها من بطلات الفيلم من المجتمع الأبوي الذكوري اللواتي يعشن فيه ويخضعن لقيوده يتبنى الفيلم قضية تحرر المرأة بشكل صريح ويجعل منها نقطة الانطلاق لفهم البنية النفسية للرجل العربي في زمن الهزيمة فحقيقة تلك البنية تظهر في كيفية تعامل والدها معها ومع أختها في الجو الخانق الذي يفرضه عليهما وممارساته العنفية تجاههما بالضرب المبرح والشتائم المباشرة يقول الفيلم بشكل واضح إن الوضعية التي يرزح تحتها الرجل العربي في زمن الهزيمة هي وضعية الإنسان المقهور وهي بحسب مصطفى حجازي وضعية يعاني تحتها الإنسان المقهور من خصائص ذهنية تأتي في شكل عقد نفسية تقع في مقدمتها عقدة العار تلك التي يعيش على أثرها تحت وطأة هاجس الكرامة لذلك فإن العزة والكرامة تكون لهما مكانة رئيسية في خطابه حيث يكون حريصا على بقاء الرأس مرفوعا وتجنب أحاديث الناس وهو ما يقوده نحو الاستماتة في الدفاع عن شرفه الذي ليس سوى شرف النساء من بناته وقريباته هناك مشهد بارز من مشاهد الفيلم تطلق فيه جميلة صرخات بكائية مدوية بعد جولة تعنيف وضرب من والدها بعد أن رآها تسير برفقة الشاب الذي تحبه في شوارع حارتها تتوالى صرخات جميلة في هذا المشهد وتنطق من فمها وهي تطلقها أنا ماني شرف حدا ماني عرض حدا وتأتي كلماتها المتمردة تلك إيذانا بتمرد أكبر تقوم به وهو الهروب من بيتها إلى لبنان للمشاركة في حرب عام 1982 ضد إسرائيل وكأن الفيلم يشير في خلاصته إلى أن التحرر الاجتماعي والثقافي من عقد القهر العربية هو السبيل الأكيد لطريق تحرر آخر يندفع فيه الإنسان العربي بعيدا عن قيود الهزيمة التي تكبله ليشتبك ويقاتل مضطهديه ومستعمريه ومحتليه