رأيت ما لا يجوز لك لطارق الطيب خيال الزهايمر
رأيت ما لا يجوز لك (الدار المصرية اللبنانية، 2025) رواية طارق الطيب تزاوج بين صفحتين. الأولى صفحة الزهايمر، نديم، والد الراوي بلال، والثانية صفحة المقبرة، حيث يلتقي الراوي بالأموات أحياءً. لسنا أمام رسالة غفران حديثة تماماً، إذ إن الراوي يفد إلى المقبرة من الحياة الدنيا، ويعود إليها، وإلى والده السبعيني المصاب، وهو إذ ذاك مع الأموات جميعاً باختلاف أجيالهم ومهنهم وبلدانهم. يخطر لنا أن نفكر في ما بين الصفحتين من صلة جعلتهما تجتمعان وتشكلان معاً الرواية ذاتها. إنه سؤال من أسئلة عدة نطرحه على الرواية، ولسنا نجد عليه جواباً جاهزاً. إلا أن قارئ الرواية لا يشعر بأن الصفحتين منفصلتان، وأن الرواية تتهافت بتعاقبهما، إذ إن هذا الاجتماع هو الرواية، هو بنيانها بقدر ما هو فضاؤها. إننا ننتقل بينهما من دون أن يكون ذلك صادماً، بل هو سياق متواصل متكامل.
في الصفحة الأولى نصادف الأب، وهو يتحول، حتى جسدياً، إلى طفل. الابن يراقب ذلك ويحصيه حركةً حركة. إنها مظاهر وتفاصيل هذا الخروج من الوعي، وهذا التهافت المتتابع، والذي قد يحيل أحياناً إلى نقيضه. في حين نرى نديم يغيب بالذاكرة عن أقاربه وأهله، نعثر عليه وهو يتحقق فوراً من شخصين مغبشين في صورة، ويعرف أنه فيها هو وابنه، ما لم يخطر للابن، الذي ضاع عنهما. هذا الوعي المباغت موصوف أيضاً في الزهايمر. لنقل إن صفحات الزهايمر هذه تتابع، تفصيلًا وراء تفصيل، هذا الغياب، أي الخروج عن الواقع، الذي يُسرد بواقعية مفرطة، تكاد في حدته وقسوته تبدو تجاوزاً للواقع، الواقع الذي، لفرط استغراقه، لا يعود يشبه نفسه.
حين ننتقل إلى صفحات المقبرة ونلتقي الأمواتَ، لا نشعر أننا في عالم مضاد. بالأسلوب نفسه تقريباً نشاهد احتفالاً عارماً لعائدين إلى الحياة. إنها فانتازيا حافلة، لكن ذلك يُقال بالتفصيل الأولي لحكاية الزهايمر ذاته. هذا الجو الخيالي، رسالة الغفران الحديثة هذه، يُقالان بدرجة عالية من الواقعية، لا نشعر معها أننا في فضاء آخر. ثمة واقع ثانٍ هنا، ثمة رسم في ماديته ومحسوسيته، يكاد يكون واقعاً. حفل
ارسال الخبر الى: