ذاكرة وطن وصمود شعب
عندما طُويت صفحة الاحتلال في الثلاثين من نوفمبر 1967، ارتفع عَلَمُ اليمن فوق سماء عدن إيذانًا بميلاد عهد جديد من الحرية والسيادة.. لم يكن هذا اليوم حدثًا عابرًا، بل كان تتويجًا لمسار نضالي طويل، سُطر بدماء الشهداء وتضحيات الأحرار الذين رفضوا أن يعيش وطنهم تحت نير الاستعمار.
بعد 129 عامًا من الاحتلال البريطاني، استطاع اليمنيون انتزاع استقلالهم بإرادَة لا تلين، ليكتبوا بذلك فصلًا من فصول البطولة والتضحية.
لم يكن انسحاب آخر جندي بريطاني مُجَـرّد حركة عسكرية، بل كان إعلانًا صريحًا لانتصار الإرادَة الشعبيّة التي ترفض الخضوع وتتمسك بحقها في حياة كريمة.
اليوم، ونحن نحتفي بهذه الذكرى الخالدة، تظل الدروس المستفادة منها حاضرة في وجداننا: فالوحدة الوطنية والالتفاف حول مشروع الدولة وتمكين مؤسّساتها كانت ولا تزال أَسَاسًا لتحقيق الاستقلال في الماضي ولبناء المستقبل.
وتكريم المناضلين الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن يبقى واجبًا أخلاقيًّا ووطنيًّا لا ينتهي.
ليس الاحتفال بعيد الجلاء طقسًا سنويًّا فحسب، بل هو تجديد للعهد بأن تبقى اليمن أرضًا حرة، وأن تظل رايتها مرفوعة رغم كُـلّ التحديات.
وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا اليوم، تأتي هذه المناسبة لتذكرنا بأن الشعب الذي انتزع استقلاله بقوة الإرادَة قادر على النهوض من جديد وبناء دولته بصلابة وإصرار.
لقد أثبت اليمنيون عبر تاريخهم الطويل أن إرادتهم لا تنكسر، وأن حلم الدولة المستقرة والعادلة لا يموت.
وفي هذا اليوم المجيد، يبقى الأمل كَبيرًا بأن تعود اليمن موحدة وآمنة، تحفظ كرامة إنسانها وتفتح آفاق التنمية لأجيالها القادمة.
عيد الجلاء هو عيد للوطن بأكمله، عيد للحرية والتضحية، وشاهد على إرادَة لا تُقهر.
إنه اليوم الذي تكلمت فيه الأرض لغة الحرية، وانتصرت فيه الإرادَة على المحن.
ففي الثلاثين من نوفمبر لا تشرق الشمس على اليمن فقط، بل تشرق على ذاكرة وطن صاغ تاريخه بمداد التضحية، ونسج حريته بخيوط الدم والوفاء.
كان الاستقلال حلمًا فأصبح حقيقة، وكان الاحتلال واقعًا فأصبح ذكرى.
وبين الحلم والواقع وقف اليمني صلبًا كالجبل، لا تهزه العواصف ولا تطفئ جذوته الليالي الحالكة.
ارسال الخبر الى: