ذاكرة ميشيل فرانكو ازدهار مشاعر وعلاقات شخصيات منكسرة

٥٤ مشاهدة
إن غلب على أفلامه طابع اجتماعي رقيق فخلف الظاهر عنف مفاجئ أو أذى مباغت مادي أو معنوي شخصياته مركبة وغريبة الأطوار كريهة أو قبيحة أو عدوانية أو مشوشة مسكونة بألم دفين ومشاعر تندفع إلى السطح بفعل فاعل يشيع فنه البارع أجواء عدم ارتياح يصاحبها ارتفاع تدريجي مثير للقلق مع هذا أفلام المكسيكي ميشيل فرانكو غير المعروف كما ينبغي منتظرة دائما تحديدا بفضل أجواء تقترحها وشخصيات تقدمها وإن بدا بعضها خفيفا وعاديا في البداية فإنها تظهر سريعا وجها آخر مباغتا هذا حال ذاكرة 2023 المعروض في آفاق ـ مهرجان كارلوفي فاري 2024 في جلسة حوار لمدمني الخمر ممن تجاوزوا إدمانهم أو أنهم يفعلون ذلك تحتفل سيلفيا جيسيكا تشاستن الإخصائية الاجتماعية بمرور 13 عاما على شفائها يوحي هذا المشهد الأول المصور بإضاءة خافتة تساعد على البوح ولقطات كاميرا محتشمة تراقب عن بعد بما شوهد مرارا في أعمال أميركية شهادات عادية عن جهاد النفس في بداية تحمل من العادي والتوقع الكثير لكن الفيلم يفاجئ سريعا بتطور الحبكة إلى جهة مغايرة بعيدة عن الخمر والإدمان تنقل فرانكو في أفلامه السابقة بين الولايات المتحدة والمكسيك في ذاكرة اختار نيويورك بشوارعها وأمكنتها الطبيعية وناسها وعاد إلى شخصياته الهشة الظاهرة في مرض مزمن 2015 مثلا الذي جعله إنه كاتب أفلامه أيضا قصة حب بين ممرض متعب يعاني مشاكل شخصية في حياته ومريضة في المراحل الأخيرة من المرض ذاكرة يسرد أيضا قصة حب غير متوقعة بين شخصين هشين سيلفيا المقيمة مع ابنتها المراهقة التي تحبها كثيرا وتكرس لها معظم وقتها بعد العمل وسول بيتر سارسغارد جائزة أفضل ممثل في مهرجان فينيسيا 2023 المصاب بخرف مبكر شخصية سيلفيا تنكشف تدريجيا بشكل تتشابك معه الرقة بالقسوة في تمازج غريب لا يرسم الفيلم شخصيتها في البدء عبر الحوار والشرح بل يلجأ إلى لغة بصرية لتتجلى قسوتها ـ معاناتها من المشاهد الأولى بملامحها المنغلقة والمنقبضة وحركاتها العصبية وكلماتها الجافة المقتصدة وسلوكها الحذر المبالغ به الذي يتبدى في إغلاق باب الشقة جيدا بالأقفال ووضع جهاز إنذار وهي فيه وبموقفها المتحفز من رجل جاء يصلح البراد مع أنها طلبت امرأة لذلك خشيتها واضحة كانفعالها القلق مع وجود الرجل الوحيد الذي سمحت له بالدخول منعزلة تقتصر نشاطاتها على العمل وتلبية حاجات ابنتها في يوم ترغم على مرافقة أختها إلى حفلة لقدماء خريجي مدرستهما الثانوية عدم اهتمامها بالزينة وارتداء ملابس خاصة بالمناسبة يكمل صورتها كإنسانة زاهدة تماما الحفلة ستكون وهذا متوقع نقطة انعطاف في مسار الفيلم يخرجه من عادية حياة يومية هناك تبقى وحدها يقترب منها مدعو فتهرب يلحق بها إلى منزلها بعد ليلة مليئة بالقلق تجده صباحا نائما أمام الباب مبللا بالمطر يتبين أن سول خمسيني يحتفظ بذكريات بعيدة وينسى الحديثة ويتصرف أحيانا بشكل غير منطقي كاللحاق بها يتطلب مراقبة مستمرة تقريبا مع سول تقيم علاقة فريدة وتنكشف ذكريات وعواطف وصدمات اللقاء بين كائنين معطوبين وعيشهما قصة حب غير منتظرة في محيط عدواني أسرة سول خاصة يعطي ذاكرة منحى جديدا تتداخل فيه عناصر عدة أهمها الذاكرة لسيلفيا علاقة موجعة مع الذاكرة والذكريات يبين الفيلم تدريجيا بعض ما تعرضت له من عنف جنسي في طفولتها ومراهقتها هنا أيضا بدا الفيلم كأنه سيقحم حركة أنا أيضا في الحبكة لكن فرانكو كما هو معروف عنه قاد الفيلم إلى هدف آخر فإن كانت الاعتداءات على سيلفيا خلفية أساسية لما باتت عليه شخصيتها اهتمت المعالجة الدرامية أكثر بالعلاقة العاطفية والذاكرة وأسلوب التعامل مع الذكريات إذا هناك رجل ينسى ذكرياته رغما عنه ويحاول استرجاع ذاكرته وهناك امرأة تسعى بكل جهدها إلى التناسي وتسقط من ذاكرتها ذكريات صادمة في فظاعتها إنها قصة حب تجمع روحين مجروحتين وتحيل ذاكرة إلى دراما عاطفية حنونة تتجنب المبالغة ساعد على ذلك بناء متماسك للشخصيتين وأداء مذهل للممثلين يسأل معه عن دوريهما الحاسمين في عدم جعل العلاقة المعقدة مثيرة لشفقة ونفور منحا الفيلم قوة إضافية ومتعة أكيدة ومسا القلوب بأداء رقيق محاولة سيلفيا التغلب على ماض لم يكن يمر وسول على حاضر لم يكن ينقضي في سعيهما إلى إصلاح شخصيات منكسرة ليس من دون قليل من روح الدعابة لسول يبدوان خير معبرين عن التقاء روحين تائهتين ميشيل فرانكو معروف بحياديته تجاه شخصياته وبقائه على مسافة منها يتركها تتطور وهو يراقبها من بعيد يصورها بلقطات مقربة حين تعلن عن حالتها النفسية المضطربة أو الفرحة سيلفيا تنظف البيت حين تشتد نرفزتها يستخدم لقطات بعيدة ثابتة في المواقف المحرجة لا سيما حين الكشف والمواجهة فيترك شخصياته لمصيرها لتنفذ منه بطريقتها بدا هذا واضحا في مشهد مواجهة سيلفيا لأمها أمام أختها وصهرها حين كشفت سرا كبيرا من طفولتها تغاضت عنه الأم أكثر من أي فيلم آخر له ينجح فرانكو بربط المشاهد بهاتين الشخصيتين المؤثرتين تاركا لفيلمه العاطفي هذه المرة خلافا لأفلام أخرى له برقته وقسوته شعورا بأمل وذكرى بهيجة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح