أصدرت منظمة صفر نفايات في فرنسا تقريرا يكشف مقدار التلوث الناجم عن الديكور السريع أي الأثاث الرخيص الذي ملأ المنازل الفرنسية خصوصا أثناء جائحة كوفيد 19 فحينها تحول المنزل إلى ملجأ شخصي ومكتب للعمل ومساحة للتدريب ومع انتهاء الجائحة لم يتراجع الاستهلاك إذ ارتفع إلى 80 عام 2022 بمعدل 17 غرضا جديدا كل عام في كل منزل فرنسي لم يقرع جرس الخطر بعد بخصوص الديكور السريع لكنه يتحرك ضمن نموذج مشابه لنموذج الأزياء السريعة حيث أطنان النفايات التي لا يمكن التخلص منها بسهولة فضلا عن استهلاك الموارد الطبيعية خصوصا الخشب لكن المشكلة تتمثل بإعادة التدوير الأمر الذي يكشف التقرير نقصا هائلا في تطبيقه ففي عام 2022 من أصل 1 2 مليون طن من الأثاث المجموع من الشوارع كنفايات لا يتجاوز وزن ما أعيد تدويره 27 ألف طن أي أقل من 5 هذه الأرقام ومحتويات التقرير حرضت كثيرين على طرح قانون مشابه لقانون ضد الأزياء السريعة الذي نوقش هذا العام في فرنسا لكن الموضوع يتجاوز مفهوم إعادة التدوير بل يمتد إلى طبيعة هذه الصناعات السريعة نفسها تلك التي جعلت الأغراض المنزلية تخضع للموضة وليس للاستدامة يكشف التقرير أن المشكلة مقسمة على مراحل عدة استنزاف الموارد الطبيعية وإنتاج أثاث ذي عمر محدد والعجز عن إعادة التدوير باختصار هي دورة السلعة الرأسمالية بامتياز وما تقدمه للمستهلك هو الوعد بمنزل أجمل ومريح لكن أهذا صحيح فعلا لن نخوض في نظرية الأثاث لكن مفهوم الاستدامة أو بصورة أدق السلعة الاستهلاكية المستدامة هي عدو الرأسمالية والبيع بالجملة يمكن لكتالوغ واحد أن يحوي في إحدى صفحاته أثاث غرفة كاملة يمكن شراؤه بثمن بخس لكن ما عمر هذا الأثاث لا نعلم لكن ما نعلمه أنه يبلى ويهترئ سريعا حتى لو كان المستخدم شديد الحذر إذن نحن أمام سلع مصممة كي تفنى اللافت في التقرير هو التركيز على أغراض الديكور الرخيصة تلك الكيتشية التي تباع بأسعار بخسة وللمفارقة تسلع عادات وشخصيات دينية بوصفها ديكورا إذ نرى في الصورة المرفقة مع التقرير تماثيل لكريشنا وبوذا التي صادرها السوق من المساحة الدينية نحو تلك التزيينية نرى أيضا في الصورة مجسمات منحوتات لكلمة الحب نحن أمام أغراض لا تحمل أي ذوق شخصي ولا حتى قيمة جمالية سوى قيمة الاستهلاك والتشابه مع الآخرين أولئك الذين تكسبهم هذه الأغراض حسا بالانتماء إثر العجز الاقتصادي عن شراء الأغلى ليتحول الاستهلاك السريع إلى نوع من الرابطة الاجتماعية الهشة بصورة أدق رابطة اجتماعية تتلاشى مع فناء السلعة هناك ما لا يشير إليه التقرير ويتقاطع مع الأزياء السريعة وغالبية الأغراض الاستهلاكية ويتمثل بمفهوم عمر السلعة ذاك المجهول وهذا بالضبط ما يخلق حسا دائما بالقلق وعدم القدرة على تجاوز فكرة الاستهلاك أي لا بد من الاستعداد الدائم ماليا لاستبدال أي غرض بآخر كون الأغراض مهددة بالعطب دوما غياب عمر السلعة محرك يدفع المستهلك إلى العمل أكثر ساعات وساعات إضافية لضمان القدرة على استبدال أي غرض بآخر وهذا بالضبط أثر الرأسمالية على نفسياتنا هي تتركنا دائما في سعي إلى العمل كي نستبدل السلع لا امتلاكها إلى الأبد فكل شيء قابل للاستبدال ولا بد من امتلاك المال الكافي لشرائه المشكلة الأكبر أن الديكور السريع يصنع خارج فرنسا وأوروبا ويشحن إلى القارة العجوز ما يعني مزيدا من الاستغلال وراء البحار وزيادة في انبعاثات غاز الكربون بالتالي درجة حرارة الأرض تلك التي تعهد العالم بألا ترتفع بمقدار يتجاوز 1 5 درجة مئوية هذا العام لكن حسب استبيان أجرته صحيفة ذا غارديان البريطانية مع أكثر من 800 عالم مناخ الزيادة ستصل إلى درجتين ما يعني هوة مناخية حسب تعبير الأمم المتحدة فهل فناء البشرية مقبول أمام تمثال خشبي لبوذا نضعه على طاولة القهوة ثم نمل منه ونرميه في القمامة