تحتاج كل الدول أن يكون لديها أرصدة كافية من النقد الأجنبي لتأمين احتياجاتها الخارجية من استيراد السلع والخدمات سواء للأجهزة الرسمية أو الأفراد وتوفير غطاء للعملة المحلية بجوار الذهب وأداء الدولة الإنتاجي وسداد أعباء الدين الخارجي من أقساط وتكلفة لذلك من أهم وظائف السياسة النقدية إدارة النقد الأجنبي عبر الآليات المختلفة والإفادة من أهم مصادره مدخرات العاملين بالخارج والصادرات السلعية والخدمية وتدفقات الاستثمار الأجنبي أو المنح والمساعدات وفي ضوء المستجدات التي تشهدها سورية بعد نجاح ثورتها فهي في أمس الحاجة لأن يكون لديها وضع مطمئن من حيث توفر النقد الأجنبي والمهم أن يكون لديها سياسة نقدية تحسن إدارة التدفقات الداخلة والخارجة من النقد الأجنبي وحسب المتاح من بيانات عن احتياطي سورية من النقد الأجنبي بنهاية عام 2023 فإن الرصيد كان بحدود 300 مليون دولار فقط وفق أرقام نشرة ضمان الاستثمار الصادرة عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات عدد أكتوبر ديسمبر 2023 أما عن تجارة السلع والخدمات فإن نفس النشرة قدرتها في سورية عام 2023 بنحو 1 9 مليار دولار وأن البلاد تعاني عجزا وفق هذا المؤشر بنحو نصف مليار دولار ويؤخذ في الاعتبار أن سورية لم تكن في وضع طبيعي في ظل سيطرة الأسد على الأمور ومعاناة نظامه من عقوبات اقتصادية بسبب ممارسته القتل والإبادة تجاه شعبه منذ 2012 وفي ظل الإدارة الفاسدة لنظام بشار الأسد فقد هرب من البلاد في 8 ديسمبر 2024 وأرصدتها خاوية من النقد الأجنبي وسط تداول أنباء عن تهريبه هو وأسرته وكبار مسؤوليه كميات كبيرة من النقد الأجنبي والذهب خارج البلاد وحتى ندرك حجم المشكلة التي ستواجهها الحكومة السورية المؤقتة برئاسة محمد البشير وما بعدها من حكومات منتخبة فإن نظام الأسد في عام 2010 كان لديه 20 6 مليار دولار احتياطي نقد أجنبي بددها على مدار سنوات في مواجهة الثورة السورية وقتل السوريين وتشريدهم وستكون الحكومة المؤقتة في سورية برئاسة البشير أمام تحد كبير عبر عنه بأن البلاد لا تمتلك أرصدة من النقد الأجنبي وأن الأسد ترك البلاد في وضع مالي سيئ للغاية تحسن سعر الصرف حسنا فعلت الحكومة السورية المؤقتة حين طمأنت الناس على ودائعهم في البنوك وأعادت نشاط مصرف سورية المركزي وكافة البنوك للعمل خلال ساعات من الإعلان عن تكليف الحكومة المؤقتة وبعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر وتشكيل حكومة مؤقتة هناك ثمة تحسن ملحوظ لسعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية وكانت الأسعار المعلنة يوم السبت 14 ديسمبر هي 11 5 ألف ليرة للدولار عند الشراء و12 5 ألف ليرة للدولار عند البيع علما أن السعر تجاوز 24 ألف ليرة قبيل هروب بشار ويتوقع إذا ما استمرت الحكومة المؤقتة في نهجها بتوفير الأمن ودعم الاستقرار ورفع مظلة حرية عمل المؤسسات الاقتصادية للقطاع الخاص أن يشهد سعر الصرف المزيد من التحسن خاصة بعد أن تتخذ الحكومة المؤقتة قرارا بتغيير العملة القديمة التي تحمل صور الطاغيتين الأسد الأب والابن ولا يغيب عن أحد أن استقرار سعر الصرف من الأمور المهمة لكافة المعنيين بالنشاط الاقتصادي حتى لا نشاهد مشكلات ارتفاع معدلات التضخم أو انتعاش السوق السوداء للعملة والسلع أو تهريب الأموال للخارج السياسة المنتظرة هناك جوانب مختلفة لإدارة السياسة النقدية في أي بلد منها مكافحة التضخم واستقرار سعر الصرف وإدارة سعر الفائدة وسياسة السوق المفتوحة وتأمين احتياطي النقد الأجنبي ولن نتطرق هنا لكل هذه الجوانب لكن سوف نشير عبر هذه السطور إلى كيفية تحسين موارد الحكومة السورية من النقد الأجنبي مراجعة جميع أوجه الصرف بالنقد الأجنبي لدى مؤسسات الدولة العاملة بالخارج والعمل على ترشيدها بشكل كبير في ظل ما أعلن على لسان باسل حموي رئيس غرفة تجارة دمشق من أن الحكومة الجديدة أبلغتهم بأنها ستتبنى نموذج السوق الحرة وأنها ستعمل على دمج الاقتصاد السوري في الاقتصادي العالمي ينبغي أن يتم ذلك بالتدرج ومراعاة أن البلاد بحاجة كبيرة لمرحلة انتقالية يهيأ فيها اقتصادها لمثل هذه التوجهات وبخاصة ترشيد الواردات الاستهلاكية والترفيه من المهم ترشيد عمل الأفراد والشركات التي تمارس نشاط الصرافة ففي أجواء الأيام الأولى نقلت وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لأفراد يقفون في الشوارع ويعلنون عن ممارسة أنشطة بيع وشراء النقد الأجنبي ولعل هذا الأمر شيء عابر لكن لا بد من أن ينظم عمل شركات الصرافة من خلال البنوك والشركات المرخصة بحيث تكون أمور إدارة النقد الأجنبي في النهاية تحت سمع وبصر البنك المركزي السوري شأن كل البنوك المركزية في العالم التي تتولى مسؤوليته إدارة أعمال النقد الأجنبي توجد الآن عدة مؤسسات أجنبية تعمل في الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة قبل نجاحها في تحرير سورية من قبضة الطاغية بشار الأسد كما ستشهد المرحلة المقبلة حضور المزيد من هذه الجمعيات بالإضافة إلى جمعيات محلية تتلقى تمويلا من الخارج وهنا لا بد من إلزام هذه الجمعيات بأن يكون لديها حسابات في البنك المركزي أو أحد بنوك القطاع العام ليتم تبديل جميع العملات الأجنبية الواردة لهذه الجمعيات عبر مسار حكومي وتستفيد منه الدولة في ما يتعلق بتحويلات السوريين في الخارج فالأمر متروك لهم ولأسرهم في شأن التصرف بما لديهم من أموال وتحويلات ولكن ينبغي أن يتم إرشادهم لضرورة تغيير العملات الأجنبية عبر المسارات الرسمية الممثلة في البنوك والصرافات حتى لا تستخدم هذه الأموال في عمليات غسل أموال رجال النظام السابق أو من عصابات الاقتصاد الأسود مطلوب إحكام الرقابة على المنافذ البحرية والبرية والجوية في ما يخص دخول أو خروج النقد الأجنبي ويجب ألا تطول حالة السيولة وضعف يد الدولة في إدارة مؤسساتها ومطالبة كل من يحمل نقدا أجنبيا أن يفصح عنه للجهات المسؤولة وتحديد ما يسمح به للمغادرين أو العائدين من كميات من النقد الأجنبي وعلى الحكومة السورية الجديدة أن تتعلم الدرس في هذا المضمار فالجهات الخارجية التي مولت الثورات المضادة بدول ثورات الربيع العربي مثل مصر وتونس واليمن وليبيا استغلت هذه المنافذ لتهريب الأموال لقادة الدولة العميقة وقائدي الانقلابات في ما يخص السفارات أو مؤسسات الأمم المتحدة أو المؤسسات الإقليمية أو من على شاكلتهم فيجب أن يلتزموا بفتح حسابات في البنك المركزي أو أحد البنوك العامة لتلقي تحويلاتهم من النقد الأجنبي وأن تتغير هذه الأموال عبر الحسابات البنكية الحكومية إجراء حوار مع المصدرين للسلع والخدمات بضرورة تحويل عوائد صادراتهم لداخل البلاد ويجب أن توضع في حساباتهم البنكية وألا تتم عمليات مقاصة خارجية للنقد الأجنبي من قبل هؤلاء المصدرين والغرض من هذا الإجراء إتاحة المزيد من النقد الأجنبي لكي يكون سعر صرف العملة المحلية الليرة معبرا عن العرض والطلب مشروعات إعادة الإعمار التي يمكن أن تشارك فيها دول أجنبية ينبغي أن يكون لها حسابات بنكية في سورية ويتم تحويل أموال إعادة الإعمار إليها على أن يتم تغيير تلك الأموال عبر مسار البنك المركزي لكي يمكنه إعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي ويتمكن من إدارة سعر الصرف بطريقة سليمة كل ما سبق مرهون بقدر ما تحققه حكومة تصريف الأعمال من توفير الأمن والقضاء على مكامن الدولة العميقة بالمؤسسات الاقتصادية سواء كانت عامة أو خاصة كما أنها أمام تحد كبير وهو استمرار ثقة الأفراد بقراراتها وتصرفاتها