دلالات احتفال اليمنيين بثورة 26 سبتمبر موسى المقطري

96 مشاهدة
تمثل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م نقطة تحول فارقة في التاريخ اليمني الحديث إذ لم تكن مجرد تغيير سياسي محدود بل كانت ثورة شاملة غيرت مجرى حياة شعب بأكمله فقد أطاحت بالنظام الإمامي الكهنوتي الذي حكم اليمن قرونا طويلة بالحديد والنار وحولت البلاد من مملكة سلالية كهنوتية مغلقة إلى جمهورية حرة تستند على قيم المساواة والمواطنة والحرية إصرار شعبي وقلق مليشاويمنذ أن حاول الانقلابيون الحوثيون الاجهاز على هذه الثورة واستعادة الامامة في العام 2014م تنوعت أساليب مقاومة هذا الانقلاب وشكل الاحتفال السنوي بذكرى ثورة 26سبتمبر أحد مظاهر هذه المقاومة ولم يعد الاحتفال بها يختزل في كونها مناسبة وطنية روتينية وإنما هو فعل مقاومة وتجديد مستمر للولاء للجمهورية ورفض واع لمحاولات إعادة اليمن إلى عصور الكهنوت الأمامي التي عاشها قبل الثورة ما إن حل سبتمبر المجيد إلا وبدأت مظاهر الاحتفال بالذكرى في الانتشار وبأساليب متعددة تعكس قدرة اليمنيين على مقاومة كل جهود الجماعة الانقلابية لطمس معالم هذه الثورة المباركة وأوقدت شعلة الثورة في أغلب المناطق المحررة وتنوعت الفعاليات الثورية في المدارس والشوارع والميادين والقاعات واطلقت الالعاب النارية فرحا وابتهاجا بالذكرى من جانبها مارست الجماعة الانقلابية كل أساليب الترهيب بحق المقيمين تحت سيطرتها واعتقلت عددا من الناشطين الذين كتبوا أو احتفلوا بالمناسبة في العالم الافتراضي من مختلف المحافظات ومع اقتراب يوم الذكرى نشرت قواتها في شوارع المدن الرئيسية تحسبا لأي مظاهر شعبية للاحتفال دلالات إضافية للاحتفالخلال السنوات الأخيرة اكتسب الاحتفال بذكرى 26سبتمبر دلالات إضافية مرتبطة بانكشاف نوايا ومخططات جماعة الحوثيين الإرهابية والذي بدا من خلال خطابها الطائفي وممارساتها الاستعلائية وهو ما أكد لعامة الشعب أن هذه الجماعة ليست سوى امتداد لذلك المشروع السلالي الذي ثار عليه اليمنيون في 26سبتمبر فجاء الرد الطبيعي عبر تمسك الناس بذكرى الثورة واحتفالهم الواسع بها وهو ما يعد بمثابة ردا مباشرا على هذا الانقلاب ورسالة قوية تؤكد أن اليمنيين يرفضون العودة إلى الوراء لقد حاول الحوثيون طمس دلالات 26سبتمبر عبر تقليص الاحتفالات الرسمية وتعديل محتوى المناهج التي تمجد الثورة وإحياء مناسبات مذهبية بديلة غير أن الاستجابة الشعبية جاءت معاكسة تماما حيث خرج الناس بشكل عفوي في المدن والقرى لإحياء الذكرى بالأغاني الوطنية والأعلام الجمهورية والاحتفالات المختلفة وهو ما يشير إلى أن الوعي الشعبي المتجذر يؤكد أن قيم 26سبتمبر ما زالت حية في الوجدان وأن أي محاولة لمحوها محكوم عليها بالفشل تجديد الولاء لقيم الجمهوريةإن أبرز ما يعكسه الاحتفال بذكرى سبتمبر هو تجديد الولاء للقيم الجمهورية التي تقوم على الحرية والعدالة والمساواة فالجمهورية بالنسبة لليمنيين لم تكن مجرد نظام حكم بديل بل هي وعد بالكرامة والعدل ونقيض للاستبداد والاستعلاء السلالي ولذلك فإن التمسك بها في ظل الظروف الراهنة رغم الحرب والأزمات الإنسانية الخانقة يعكس إدراكا شعبيا بأن بقاء الجمهورية هو الشرط الأساسي لأي مستقبل آمن ومستقر لليمن ثورة 26 سبتمبر جاءت لتضع حدا لحقبة حالكة السواد اتسمت بالجهل والفقر والعزلة حيث كان اليمنيون محرومين من أبسط حقوقهم في التعليم والصحة والعمل الكريم فأسقطت الثورة جدار الخوف وفتحت الباب أمام اليمنيين لينظروا إلى أنفسهم كأصحاب حق في تقرير المصير لا كأتباع لسلالة تزعم أن لها حقا إلهيا في الحكم ومن هنا أصبح 26سبتمبر رمزا للتحرر والكرامة وصار الاحتفال به تذكيرا متكررا بأن الحرية لم تكن منحة بل ثمرة نضال وتضحيات جسيمة قدمها الأجداد مواجهة الطمس وإحياء للذاكرة الوطنيةومن دلالات الاحتفال الشعبي بـ26سبتمبر كونه مقاومة فكرية وثقافية لمحاولات الحوثيين تزييف الوعي فبينما تحاول الجماعة إعادة صياغة التاريخ لتظهر نفسها كامتداد طبيعي للدولة اليمنية يأتي الإصرار الشعبي على سبتمبر ليفشل هذه الرواية وليؤكد أن الحوثية ليست سوى امتداد لماض يرفضه اليمنيون وأن 26سبتمبر تمثل اليوم تخلصنا به من هذا المشروع الهدام ولايمكن نسيانه أو عكسه من جهة أخرى فإن الاحتفال بـ26سبتمبر يمثل شكلا من أشكال الوفاء للشهداء والمناضلين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لقيام الجمهورية وهؤلاء الأبطال لم يثوروا من أجل مصالح ضيقة بل من أجل أن يعيش اليمني مرفوع الرأس في وطن حر ومن هنا فإن تناسي تضحياتهم أو السماح بطمس ذكراهم يعني القبول ضمنيا بعودة الاستبداد وهو ما يرفضه اليمنيون كما أن الاحتفال بالثورة هو وسيلة لتوريث الذاكرة للأجيال الجديدة حتى تدرك أن ما تتمتع به من حقوق وحريات إنما جاء نتيجة تضحيات وليس أمرا مسلما به الاحتفال بثورة سبتمبر لا يعني مجرد استعادة لذكرى ماضية بل هو أيضا استشراف للمستقبل فاليمنيون حين يحتفلون بها اليوم إنما يعبرون عن حلمهم بدولة مدنية عادلة تنهي زمن الحروب والانقسامات ويرون في قيم 26سبتمبر الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه مشروع الدولة الحديثة القائمة على سيادة القانون والمواطنة المتساوية بعيدا عن كل أشكال التمييز السلالي أو الجهوي وهو تذكير أن الاحتفال لايمثل مناسبة بومية عابرة بل مشروعا مستمرا للنضال الوطني في المحصلة يمكن القول إن احتفال اليمنيين بثورة 26 سبتمبر يمثل أكثر من مجرد مناسبة وطنية إنه فعل مقاومة سياسية وثقافية وتجديد مستمر للعهد مع قيم الحرية والجمهورية وإصرار على الوفاء لتضحيات الأجداد ورفض قاطع لمحاولات إعادة إنتاج الاستبداد السلالي والاحتفالات بما تحمله من فرح شعبي عارم ورمزية متجذرة تؤكد أن الثورة لا تزال حية في وجدان اليمنيين وأن مشروع الجمهورية سيبقى هو الخيار الأوحد مهما حاولت قوى الظلام طمسه أو الالتفاف عليه وسيظل ينظر إليه اليمنيون بمثابة بوابة أمل ومشروع مستمر للتحرر والانعتاق وعنوانا لصمود اليمنيين في المعركة الوطنية المستمرة منذ انطلاق 26سبتمبر وحتى اليوم

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع الصحوة نت لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح