من منا لم يسأل في مرحلة ما من حياته عم إذا كان يشعر بنوع من الخوف من الأماكن المغلقة على مدى خمسة وثلاثين عاما أمضيتها في جزر الكناري لم أشعر مرة واحدة بأي شيء مماثل لما يسمى مرض الجزيرة الذي يتخيله أولئك الذين يعتبرون أن الجزر مساحات مغلقة بلى علي أن أعترف أنني طورت الحاجة إلى تأمل الأفق عبر تسلق القمم وإمعان النظر في الوديان من الأعالي والتلذذ بالمدن والشواطئ وملامح الجزر الأخرى واستكمالا لهذه العادة أدركت في منطقة الأمازون الفنزويلية وأنا مضطربة بعض الشيء الحقيقة العظيمة للقول الشائع من كثرة الأشجار قد لا أرى الغابة لكنه اضطراب ما لبث أن تناثر بمجرد أن أتيحت لي فرصة الصعود مشيا على الأقدام بطبيعة الحال إلى جبل سيرو بيريكو في فنزويلا وتأمل الغابة التي تحتضن مدينة بويرتو أياكوتشو وتعرجات نهر أورينوكو تحت قدمي غير أن من يتحدثون عن الصعود إلى القمة يريدون الصعود إلى التراس القديم لـمركز التجارة العالمي في نيويورك أو تراس فندق أدامار في إسطنبول ثم بعد هذا كله يتعود المرء على المسافات وتتحول مسافة السبعة وعشرين كيلومترا التي تفصل بويرتو ديل كارمن عن شاطئ فامارا في جزيرة لانزاروتي الإسبانية إلى نزهة قصيرة ربما لهذا السبب أتذكر برعب تلك الرحلة إلى تشيلي حيث قررت صديقتي الشاعرة روزابيتي مونيوز السفر إلى منطقة تشيلوي في تشيلي كي تقابلني هناك ثم نعود سوية إلى سانتياغو على متن حافلة ونقطع مسافة 1125 كيلومترا غالبا ما تعدل الأنواع الحيوية في الجزر ظروفها لتتكيف مع كل جزيرة إنه جزء من متلازمة العزلة أتذكر أنني كتبت هذه الجملة التي قالها جان فوستر في سبعينيات القرن المنصرم حتى أنني حاولت الاستفادة منها شعريا ذلك أن فكرة فوستر تنطبق على علم الحفريات وتؤثر اعتمادا على الظروف وملايين السنين على السحالي العملاقة في جزيرة إل هييرو التابعة لجزر الكناري كذلك الأفيال القزمة في قبرص تجسدت العزلة في شكل شعور بتنميل في جسدي عند وصولي إلى لبنان هذا الشعور بالعزلة الذي لم يسبق لي أن أحسست به قط في جزر الكناري تجسد في شكل شعور بتنميل في جسدي عند وصولي إلى لبنان عام 2019 ميناء بلا حركة ركاب حتى قبل الانفجار المروع في الرابع من آب أغسطس 2020 وحدود مع سورية يتطلب عبورها الحصول على تأشيرة وتحذير من وزارة الخارجية الإسبانية بتجنب السفر مهما كان الظرف ومن جهة ثانية حدود مغلقة تاريخيا تحت حراسة بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وخط أزرق لا تتوقف إسرائيل عن تجاهله لكنه يمتد على الجانب اللبناني فقط أما المطار المجاور لضواحي بيروت الجنوبية فهو الطريق الوحيد للخروج لن يتأخر شعور الحصار بملامستي ولم يكن في جزيرة بل تحديدا في الثالث عشر من نيسان إبريل الماضي حينما أغلق الأردنيون مجالهم الجوي وكذلك فعلت سورية ولبنان حصل ذلك نتيجة تحذير إيران بضربة ستوجهها لـإسرائيل ردا على تفجير قنصليتها في دمشق وسرعان ما وصلت أخبار تعطل المطار وخروجه عن العمل ليس بسبب الرحلات الملغاة فحسب بل بسبب أولئك الذين أرادوا مغادرة البلاد بأسرع وقت وبسرعة مرت في رأسي ذكريات أشهر القيود الصارمة على الكهرباء وطوابير البنزين ونقص الطحين وبين هذا وذاك جملة كأننا في حرب التي كان اللبنانيون يقولونها فيما ينظمون أنفسهم باستثناء المصارف التي كانت تعمل بشكل جيد أعيد فتح المجال الجوي في المنطقة بعد ساعات قليلة وعاد كل شيء إلى ذلك التوازن اللبناني إلى حد الفوضى كل شيء باستثناء خطة انتقالي الوشيك من بيروت إلى عمان كان الطريق البري الخيار الأول والأكثر منطقية وهو عبور سورية خلف الشاحنات التي ستقل أثاث منزلي مع وضع قططي في الجزء الخلفي من السيارة لكنه خيار غير متاح نظرا للظروف الأمنية في البلاد والهجمات الأميركية في شباط فبراير الماضي أما خيار الشحن انطلاقا من مرفأ بيروت الفوضوي عبر قناة السويس إلى العقبة فلم يكن ينصح به بسبب حالة الحرب في البحر الأحمر ولم يبق سوى خيار النقل الجوي غير الفعال لنقل أثاث المنزل كاملا يا لها من سذاجة يا لها من حماقة أقول لنفسي وأنا أرى أولئك الذين يعيشون محاصرين في غزة في ما يشبه حصار القرون الوسطى تقوم به مسيرات لا تحترم حتى المستشفيات وتمارس الإبادة حقا ذلك هو الشعور الكامل بالحصار في مكان مغلق كاتبة وشاعرة إسبانية