خطاب المركز والهامش بين الغرب وأفريقيا

40 مشاهدة

منذ أن انطلقت موجات الاستعمار الأوروبي خلال القرن التاسع عشر والعشرين الميلادي (خصوصاً بعد مؤتمر برلين 1884-1885)، لم يكن الغرب قوّة عسكرية أو اقتصادية تُخضع الأراضي والشعوب فقط، إنما مركزًا يُنتج خطابًا عن ذاته وعن الآخر. ففي هذا الخطاب، تَمثّل الغربُ باعتباره حاملًا للعقلانية، للحداثة، للتقدّم، في حين رُسمت أفريقيا بوصفها فضاءً للهامش: أرضًا بكرًا، مليئة بالغموض، غارقة في البدائية والتخلّف. هذا الوصف لم يكن تعبيرًا عن تفوّق مزعوم فحسب، إنما آليةً فلسفية-سياسية تُؤسّس لتراتبية معرفية ووجودية، حيث يصبح المركز منتِجًا للمعنى، بينما يُختزل الهامش في كونه موضوعًا للمعرفة، لا ذاتًا فاعلة فيها.

في كتابه الاستشراق، يرى إدوارد سعيد أنّ الشرق الذي يظهر في الاستشراق نظام من الصور التي تمثّله، والتي صاغتها مجموعة كبيرة من القوى، والتي أدخلت الشرق في مجال العلوم الغربية والوعي الغربي. أي أن الشرق في المُخيال الغربي لم يكن حقيقةً قائمة بقدر ما كان بناءً من الصور والتمثّلات أنتجته مؤسساتٌ معرفية وسياسية مُتشابكة، لتُدرجه داخل منظومة الفهم الغربي للعالم. بتعبير آخر، المركز لم يستخدم قوّته العسكرية فقط، بل مارس سلطةً معرفية أعادت تشكيل صورة الآخر بما يخدم مصالحه ورؤيته الثقافية والسياسية.

وقد تجلّت هذه الصورة في نصوص القرن التاسع عشر، مثل كتابات ديفيد ليفينغستون وهنري مورتون ستانلي، حيث وُصفت أفريقيا بأنها القارة المظلمة (Dark Continent) التي تحتاج إلى نور الحضارة الأوروبية. هذه السردية لم تكن خطابا بريئًا؛ فقد برّرت للبعثات التبشيرية، ومهّدت للتوغّل العسكري والاقتصادي، وحوّلت أفريقيا إلى موضوع في تقارير جغرافية وأنثروبولوجية تنظر إليها كما لو كانت مُختبرًا مفتوحًا للقوى الاستعمارية. علاوة على ذلك، نجد في نصوص الرحّالة والمبشّرين والمستعمرين أنّ أفريقيا صُوّرت كأرضٍ تنتظر أن يهبط عليها الخلاص من الخارج، وكأنّها بلا تاريخ أو هوية أو قيم...، وكأنّ وجودها مرهون باعتراف الآخر بها. هذه الرؤية رسّخت ما يمكن تسميته ميتافيزيقا المركز: فكرة أنّ الغرب هو مركز العالم، معيار العقل والإنسانية، وأنّ ما عداه يكتسب قيمته بقدر ما يقترب من هذا المركز أو يتماهى معه.

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح