خارج إطار الزمن لون يتذكر حرف ينسى
يبدو اللون في معرض خارج إطار الزمان كأنّما يخوض مفاوضة متوترة مع الزمان، لا بوصفه تعاقباً، بل جداراً تطرقه الذاكرة لتعيد تشكيل الحكاية في هيئة بصرية. فالمعرض المشترك في غاليري الحوش الذي افتتح الجمعة الماضي، للفنانين السوداني راشد دياب والعراقي نديم كوفي ينفتح على النص الغائب الحاضر، نص الفلسطينية عدنية شبلي خارج الوقت، الذي استشعر استعمار الزمان كما استشعرت سميرة عزام قبله استعمار المكان والذات في قصصها.
تقترح القيّمة جمانة عباس هذه الوشيجة التي تربط بين السرد النصي (غير الموجود في المكان) والنص المعاين أمامنا، لدى تعرّفها إلى ما كتبته عدنية شبلي وفيه التقطت بحساسية الفلسطيني المفرطة استعمار الزمان وتوقف ساعة الفرد في مكانه، ولحاقه بجماعته المطرودة ليقيس معها زمنه الغريب بساعة جديدة. إنه خارج الزمان وعليه أن يكون جديراً بكونه ضحية. عليه ألا يمسي ضحية فاشلة.
تقترح الفكرة أن نكون في عام 1963 حين كتبت سميرة عزام (1927-1967) قصتها القصيرة الساعة والإنسان، أو يمكن أن نكون في يناير/ كانون الثاني 2015 حين نشرت عدنية شبلي (1974) نصها خارج الوقت في صحيفة العربي الجديد.
ما تقوم عليه التجربة البصرية في الغاليري هو مباشرة اختبار الفن للزمن وهو يتشكل من جديد. هنا يلتقي راشد دياب ونديم كوفي، فنانان عربيان خبرا فكرة الوطن على الأرض مثلما خبرا الحروب التي تقع كل مرة دون أن نأخذ حذرنا منها. أحدهما قارب الوجود من باب الضوء والثاني مدّ يده إلى اللغة.
راشد دياب (1957) لا يرسم الأشياء كما تُرى، بل كما تتذكر نفسها بعد غيابها. حين يملأ السطح بالأصفر، كأنه يستعيد آخر لحظة للضوء قبل أن يبهت. وطوال الرؤية لا بد أن ينخطف المشاهد إلى الأجساد التي تمشي وتختفي، هذه صحراء، هذه مفازة. هذا اللون الأصعب الذي يحسب حسابه الفنانون بسبب مزاجيته وعدم تسامحه مع الخطأ، هو أفق اللوحة الصحراوية في لوحات دياب هذه المرة، هو الملعب الروحي لهذا الفنان ابن الجيل الثاني لمؤسسي الحداثة التشكيلية في السودان. إنها مقامرته للعبور، وفرصته الوحيدة للنجاة. والأصفر
ارسال الخبر الى: