خاتم الرجل الميت فضح سينمائي مفعم باشتغالات جمالية
٤٣ مشاهدة
بوجل يتوقف أليخاندرو خيربير بيثتشي 1977 أمام ظاهرة اختفاء مكسيكيين فجأة من الحياة كأن قوة غامضة تأخذهم إلى المجهول من دون أن تترك وراءها أثرا فكرة الاختفاء القسري من دون أثر تخيف المكسيكي وتجعله عرضة لهاجس وتوجس دائمين من أن شيئا مشابها ربما يتعرض له هو أيضا أو أحد أفراد عائلته عندها تنقلب حياته رأسا على عقب ويدخل في دوامة بحث عن اللامجدي هذا يأتي في سياق المنجز الروائي لخيربير بيثتشي خاتم الرجل الميت 2024 والعنوان ترجمة مقاربة للأصل الإسباني Arillo de hombre muerto المكتوب بلغة سينمائية تتدرج بقوة بلاغتها من الأبسط إلى الأعقد تقلبات حياة داليا أداء بارع لأدريانا باتز بعد اختفاء زوجها يتأسس عليها هرم مجتمعي يؤشر على خراب حاصل فيه لن يتكشف كله أمام الناس إلا لحظة مواجهة أحدهم ما واجهته داليا عندها ربما يعيد التفكير بمسار حياته وبحثه في ثناياها عما كان سببا في التراجيدي الحاصل فيها يقارب الاشتغال الإخراجي لخيربير بيثتشي الأسلوب السينمائي لألفرد هيتشكوك بجعل الخوف ثابتا في المشهد العام للمكان الذي يقترحه موقعا لأحداث غامضة وانتظار ما سيحصل فيها طويلا يولد ترقبا وقلقا عند المتفرج من لحظة خروج داليا من كابينة قطار الأنفاق الذي تقوده بعد انتهاء فترة عملها المسائي وصولا إلى لحظة دخولها منزلها يتغلغل قلق في دواخلها وتوجس من احتمال تعرضها لسوء المسافة القصيرة التي تقطعها من موقف السيارات إلى منزلها تكفي لعرض حالة الخوف الداخلي الذي يسكنها الأبيض والأسود المصور بهما الفيلم يزيدان من الإحساس بعتمة المشهد العام المحيط بها لهذا الغرض يوظف اللون وعلى غير العادة لا يراد به هنا الإيحاء بماض أو أحداث تستعاد وتربط باللحظة الراهنة بالعكس يبغي النص السيناريو للمخرج تأكيد آنية الحدث وتشابكه مع واقع تعيشه المكسيك اليوم يبدو الحدث في السياق عرضيا أولا زوج داليا مهندس ميكانيكي يعمل معها في المحطة نفسها يتأخر عن موعد وصوله إلى البيت في الوقت المعتاد يوميا والدته وأولاده قلقون عليه مع مرور الوقت يسود إحساس فيهم بأن شيئا ما حدث له قلق الزوجة عليه يخالطه شعور بالذنب لأن لها علاقة بشخص آخر والقلق يثير فيها أسئلة عن معنى ارتباطها به وعن صعوبة فهم عائلتها لحزنها على غيابه وبحثها الجاد عنه من الملتبس في المشهد العائلي تذهب الحكاية إلى الحيز الاجتماعي الأكبر المحيط بها وتشابكاته المعقدة مع السياسة والمصالح الطبقية يكني النص غياب الزوج بتغييب متعمد لمعارضي الفساد السياسي السائد مع بقية النقابيين وزوجته يصوت لاقتراح يستبدل به مدير المحطة برجل نزيه الغضب من موقف المهندس ربما كان سبب مقتله كل الدلائل تشير إلى أنه لم يخرج يوم اختفائه من محطة المترو التي يعمل فيها غضب المدير وانتقام الإدارة منها كانا أيضا سبب إجبارها على العمل في ورديات مسائية والجميع يعرفون جيدا ما يعنيه خروجها ليلا في مدينة تنتشر فيها الجريمة ويغيب الناس عن الوجود كأنهم كائنات هلامية تتبخر بلمح البصر يتوسع المسار الدرامي لفيلم مذهل في قوة كتابته وفي أسلوب تسريبه حالة رعب يعيشها المكسيكي تصاعديا بجعل المغيبين قادرين على تحريك جانب من المشهد الدراماتيكي رغم عدم ظهورهم الصريح فيه هذا يأتي عبر رحلة بحث مضنية عنهم وما يلازمها من اكتشاف لواقع سياسي مخيف يغيب فيه الناس جراء مواقفهم المعارضة لنظام جائر لم تتصور الزوجة وعشيقها كارلوس نوي هيرنانديز أن بحثهما عن الزوج الغائب سيوصلهما إلى مشارح مليئة بجثث مجهولة الهوية لم يخطر على بالهما أنهما سيتعرفان في رحلة بحثهما العدمية والمشحونة بأوجاع وأحزان إلى عدد كبير من الناس يبحثون مثلهم عن أحبة يأملون بعد يأسهم من احتمال عودتهم أن يعثروا على جثامينهم على الأقل لدفنها كما يليق بآدميتهم تتداخل مسارات البحث عن المغيبين بمواقف مضطربة تفضح أنانيات وتكشف جهات تستفيد من غيابهم تجاريا لكن في النهاية تفرض الحياة قوانينها يتقبل الخاسرون واقعهم ويدركون ـ بعد مراجعة خيباتهم في استعادة الغائبين عنهم ـ أن عليهم إكمال حياتهم هكذا تفرض الحاجة إلى التصالح مع الحياة على داليا هجر عشيقها واستعادة عائلتها بعد فترة خصام وملامة أما المغيبون فلا أمل بعودتهم ثانية إلى الحياة حتى قتلتهم لن يحاسبوا طالما أنهم محميون بساسة نظام فاسد يسعى منجز أليخاندرو خيربير بيثتشي إلى فضحه بأسلوب سينمائي مفعم باشتغالات جمالية تضعه بين أفلام مكسيكية رائعة تعمقت في قراءة واقعها وقدمت في السنوات الأخيرة تحفا سينمائية تتقارب في روحها وبحثها معه كرائعة ألفونسو كوارون روما 2018