حليب ساخن يثير نقاشات عن أعطاب النساء واضطراباتهن النفسية

في جديدها حليب ساخن (2025)، حوّلت الإنكليزية ريبيكا لنْكِوَيتش (كاتبة وممثلة ومخرجة) كتاباً بالعنوان نفسه للكاتبة ديبورا ليفي (جنوب أفريقيا) صادراً عام 2016، إلى فيلمٍ سينمائي. والرواية وصلت إلى القائمة القصيرة لـمان بوكر، وأثارت نقاشات عالمية، واهتمّ بها نقّاد وقرّاء.

استغلت لنْكِويتش هذا الزخم المهم، وأنجزت فيلمها، المُشارك في مسابقة الدورة 75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـمهرجان برلين السينمائي (برليناله)، فتجدّد النقاش (الرواية والفيلم معاً).

في افتتاحه، اختارت لنْكِويتش جملة للفنانة الأميركية الفرنسية لويز بورجوا: ذهبت إلى الجحيم وعدت. دعوني أؤكّد لكم أنّه رائع. والجملة تلخّص أبعاد حليب ساخن (Hot Milk)، ومرجعيته الفكرية، فالجحيم بات أرحم وأكثر شفقة وليناً من الواقع الدنيوي، تحديداً واقع نسائه: روز (فيونا شاو)، الأمّ المقعدة، وابنتها الشابة والجميلة صوفيا (إيما ماكّاي) تركتا المملكة المتحدة للعيش في ساحل إسباني، لتلقّي علاج في عيادة الدكتور غوميز (فنسنت بيريز)، الطبيب المختلف، الذي يحاول اكتشاف أسباب شلل روز، بمعاينتها نفسياً وجسدياً. هذا المنطلق يجعل الأحداث تنكشف في كل لحظة، فتظهر مشاكل وندوب من الماضي في الأم وابنتها. هناك أيضاً الشابة إنغريد (فيكي كريبس)، المُصابة هي أيضاً بأعطاب نفسية، تنكشف تدريجياً عبر علاقتها بصوفيا.

تتجلّى منطلقات الشخصيات النسائية في أعطاب الماضي، وتأثيرها في حاضر كلٍّ منهن. أي أنّ الماضي المعادل الموضوعي لمفهوم تأثير الفراشة، الذي يفيد بأنّ التغيّرات الصغيرة في الظروف الأولية لنظامٍ ما، يُمكن أنْ تؤدّي إلى عواقب كبيرة وغير متوقّعة في وقت لاحق. هذا حدث مع روز، التي حملت بها والدتها العزباء عند بلوغها 16 عاماً، فأرغموها على الابتعاد عنها. كما تجلّى مع طفولة إنغريد: تدفع أختها الصغيرة على الأرجوحة، فسقطت وتوقّف عقلها عن النمو. منذ تلك اللحظة، تُحسّ إنغريد أنّها مجرمة، قتلت أختها بطريقة ما، رغم أنّها كانت طفلة، لا تعي جيداً أفعالها.

إنّه الاتجاه نفسه الذي سلكته صوفيا، نتيجة التربية المفرطة من الأم، التي جعلتها تمقت الرجال وتكرههم، لأنّهم بنظرها سبب البلاء والمصائب، فتشكّلت شخصيتها غير السوية، وباتت تهتمّ بصديقتها.