حفيدة غردون باشا لتسنيم طه ميراث الشقاق

147 مشاهدة

تبدو المأساة السودانية في ظاهرها سلسلة من الانقلابات والحروب والنزاعات، غير أن الروائية السودانية تسنيم طه، في روايتها حفيدة غردون باشا (دار رشم للنشر، 2025)، تقترح قراءةً مغايرة، تُعيد الصراع إلى جذوره الأنثروبولوجية والنفسية؛ فلا تكتفي الرواية بتوثيق الخراب السياسي، بل تُعيد بناء الذاكرة الجماعية بوصفها حلبةً للصراع بين روايات متنازعة، وفضاءً تُختبر فيه هشاشة الهوية السودانية أمام تراكم التاريخ الاستعماري والاقتتال الأهلي. تنقل تسنيم طه المأساة من ميدان المعركة إلى متاهة الذات وقيود العائلة، ومن ركام الخرطوم عام 2023 إلى جدران ذاكرة مهجَّنة تتناسل فيها الأسئلة أكثر مما تُقدَّم فيها الإجابات.

مختبر الهوية المعلَّقة

تُقدِّم الكاتبة صورة الهوية السودانية بوصفها بنيةً متصدّعة تعيش على حافة السؤال. فبطلة الرواية ستّ النفور، ذات الأصول السودانية – الفرنسية، ليست مجرّد حفيدة لجيلٍ غابر، بل تجسيد حيّ لزمن الانشطار بين الانتماءين: الوطني والمستعمِر. وهي جيل ثالث يعود، روحياً وفعلياً، لينبش في تاريخ عائلة مركَّب يمتد إلى زمن الاستعمار، ويتقاطع فيه الحب مع الخيانة، والموت مع البحث عن أصل ثابت. تبدأ الحكاية من جَدّها زكريا، الذي يمثل الجسر الحكائي مع جيل الأجداد، وتعود جذوره إلى علاقةٍ بين الخواجية آن موريس وأرضٍ لم تعد تعرف أبناءها. ومن هذا التداخل بين الأجنبي والوطني يتولّد حدث مراجعة شجرة نسبٍ غير مستقرة، تماهت فيها حدود الأسرة مع حدود الوطن نفسه. وفي الطريق لربط هذه الحلقات لا تعتمد الرواية على زمنٍ خطيّ، بل على تقاطعات زمنية تتيح تتبّع الأثر المدمّر للاستعمار والصراع الأهلي عبر الأجيال. وتتحول كتابة ستّ النفور لروايتها، بمساعدة جدّها، إلى فعل تأليف ذاتي، تحاول من خلاله ترتيب فوضى الماضي واستعادة المعنى وسط عتمة الحكايات المتناثرة. بهذا المعنى نتتبع وسيلة إنقاذ الهوية من الذوبان، فلا يتحقق خلاص الذات السودانية إلا بكتابتها من جديد، لا بتلقّيها موروثاً مغلقاً.


تكسير الأصنام

ومن أكثر مناطق الرواية جرأةً كشفها للطبقات الدينية والاجتماعية التي تتصارع داخل الوعي السوداني. إذ تهدم تسنيم طه الصورة النمطية عن التجانس العقائدي، كاشفةً عن تاريخٍ طويلٍ من

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح