ثمة من ينتقد مبادرة حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بشن هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول على مستعمرات غلاف غزة على نحو يلقي باللائمة الاتهامات على المقاومة كونها استجلبت انتقاما إسرائيليا إلى قطاع غزة بيد أن تقويم حصاد المقاومة الفلسطينية وتحليل أوجه قصورها أخطائها وصولا إلى انتقادها يقتضي الاحتكام إلى معايير تستبطن أدبيات حركات التحرر الوطني وخبراتها في مواجهة القوى الاستعمارية قبل استخلاص نتائج متسرعة سواء كانت تتعلق بحرب غزة الراهنة أم غيرها في سياق استقراء مستقبل المقاومة الفلسطينية وتقويم إنجازاتها وتحدياتها بعد طوفان الأقصى مقارنة بحصاد عملية التسوية الفلسطينية مع إسرائيل لا سيما بعد اتفاق أوسلو 13 9 1993 ثمة ثلاث ملاحظات أولاها أهمية رصد تداعيات صعود الصهيونية الجديدة ذات الطابع القومي الديني منذ مطلع الألفية الثالثة في إسرائيل على إعادة تعريف الصراع مع الفلسطينيين بأنه صراع وجودي بلا حل على نحو ما تجلى في محطات عدة مهمة بداية من وحشية السياسة الإسرائيلية في قمع انتفاضة الأقصى 28 9 2000 ثم اجتياح الضفة الغربية ربيع 2002 ثم العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006 وانتهاء بسلسلة الحروب على قطاع غزة 2008 2009 2012 2014 2021 2023 2024 التي كشفت جميعها استمرار المشروع الصهيوني في ممارسة الحد الأقصى من العنف ضد المدنيين الفلسطينيين بغية تدمير المقومات المجتمعية الفلسطينية القرى والمدن والبيوت والبنى التحتية والاقتصاد والثقافة ناهيك عن التدمير المنهجي للهوية السياسية الفلسطينية العودة بالحركة الوطنية الفلسطينية عموما إلى مناقشة أجندة التحرر الوطني وقضاياها بدلا من حصر طاقات الفصائل الفلسطينية في التنافس على سلطة حكم ذاتي محدودة وإزاء صعود تيار الصهيونية الجديدة وتحكمه في مفاصل القرار الحكم الإسرائيلي جاء رد المقاومة الفلسطينية في إطار رد الفعل المشروع على تصاعد العنف الإسرائيلي الممنهج سواء جاء من قوات الاحتلال أم من قطعان المستوطنين الذين يعيثون فسادا في الضفة الغربية والقدس المحتلة من دون خشية من حساب أو عقاب وإذا كان البعض يلوم حركة حماس على الإقدام على خطوة غير محسوبة في هجوم السابع من أكتوبر فإن إذعان المقاومة لاشتراطات المشروع الصهيوني لا يتسق مع سياسات حركات المقاومة والتحرر الوطني إجمالا ولئن كان صحيحا أن قوى المقاومة الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر وبعده قد اقترفت عددا من الأخطاء التكتيكية التي أدت في المحصلة إلى توليد مزيد من التحديات والتعقيدات أمام النضال الفلسطيني فإن هذه الأخطاء لم تغير مسار صعود المقاومة الفلسطينية ولم تلغ إنجازاتها الميدانية القتالية الملموسة في استنزاف قوات الاحتلال لأكثر من ثمانية أشهر من دون توقف على نحو أثبت قدرة المقاومة على إدارة معركة النفس الطويل ضد إسرائيل ومعسكر داعميها في ظل بيئة إقليمية ودولية ضاغطة على المقاومة رغبة في تجريدها حرمانها من قطف ثمار التضحيات الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى وقبلها تتعلق الملاحظة الثانية بصواب مبدأ ممارسة المقاومة من الناحية الاستراتيجية على أربعة صعد 1 استعادة زمام المبادرة وإرباك الحسابات المخططات الإسرائيلية وهذا ما يترتب عادة على ممارسة أشكال المقاومة الشعبية المختلفة منذ انتفاضة 1987 مرورا بمعركة بوابات الحرم القدسي خلال صيف 2017 ومسيرات العودة على حدود قطاع غزة ربيع 2018 وأنماط مقاومة حي الشيخ جراح وقرية بيتا إلخ 2 نجاح فصائل المقاومة بعد طوفان الأقصى في تعطيل تأجيل توظيف إسرائيل عملية التسوية والتطبيع في خلق وقائع جديدة على الأراضي الفلسطينية عبر تكثيف الاستيطان وانفلات جرائم قطعان المستوطنين مع تجاهل النظم العربية معاناة الشعب الفلسطيني من وطأة الاحتلال المديد وعلى الرغم من استمرار بعض أشكال التطبيع ومظاهره الأمنية الاقتصادية فإن تداعيات طوفان الأقصى دفعت بالتطبيع إلى مسارات أقل علنية من ذي قبل خشية استفزاز الشارع العربي 3 العودة بالحركة الوطنية الفلسطينية عموما إلى مناقشة أجندة التحرر الوطني وقضاياها بدلا من حصر طاقات الفصائل الفلسطينية في التنافس على سلطة حكم ذاتي محدودة تحت الاحتلال على الرغم من استمرار ملامح أزمة المشروع الوطني الفلسطيني من دون حلول ناجعة حتى الآن 4 كشف زيف السردية الإسرائيلية واحتكارها دور الضحية الدائمة التي تستحق الدعم الأميركي الغربي المطلق في مقابل بروز فظاعة جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني عموما الذي يتم الاعتداء عليه في حرب إبادة شاملة لا تستثني طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولا منشأة ولا ملجأ ولا بيتا آمنا إلخ ما أدى إلى عولمة قضية فلسطين في كثير من مؤسسات الأمم المتحدة الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية إلخ بالتوازي مع التحول الواضح في أوساط الرأي العام العالمي لمصلحة فلسطين خصوصا في الغرب نتيجة صعود أجيال جديدة أكثر أخلاقية وأقل أيديولوجية في تعاملها مع قضايا العالم وزيادة المبادرات الشبابية في العالم للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ولئن كان صحيحا أن قوى المقاومة الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر وبعده قد اقترفت عددا من الأخطاء التكتيكية فإن هذه الأخطاء لم تغير مسار صعود المقاومة الفلسطينية ولم تلغ إنجازاتها تتعلق الملاحظة الثالثة بتقويم تداعيات عملية أوسلو وتعريب اتفاقية كامب ديفيد ونهج التسوية الاعتدال والتعويل العربي على مصداقية السياسة الأميركية في رعاية التسوية ودفع المفاوضات إذ تعهدت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في خطاب الاعتراف المتبادل مع رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين 9 9 1993 بحق إسرائيل في العيش في سلام وأمان ونبذ الإرهاب ما أدى إلى تقييد الخيارات الفلسطينية وتجريم المقاومة وتعميق التبعية للاحتلال على الصعيدين الأمني والاقتصادي في مقابل ذلك أدت تداعيات هجوم السابع من أكتوبر إلى إعادة الحياة إلى مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية والمؤكد أن الحصاد الفلسطيني كان سيتضاعف لو اندلعت معركة طوفان الأقصى في ظل وحدة وطنية شاملة ما يعني أمرين أحدهما الوظيفة البنائية للمقاومة التي يمكنها بقليل من التصويب إعادة ترميم المشروع الوطني الفلسطيني في مقابل الوظيفة التفكيكية لتسوية أوسلو التي ضربت الهوية الفلسطينية في الصميم ناهيك عن تقسيم الشعب الفلسطيني وتوزيع أرضه بين مناطق أ وب وج وفقا للمطالب الإسرائيلية والآخر أن ثمة إمكانية لإيجاد علاقة تكاملية بين أدوات المقاومة والتفاوض والإعلام على أرضية توافقات وطنية فلسطينية بعيدا عن مشروع أوسلو وعبر تجاوزه أساسا كما يسهل ملاحظته من الأسلوب التفاوضي الجيد الذي تديره حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في سعيها لوقف الحرب الراهنة على قطاع غزة على الرغم من أنها قد تكون أصعب أعقد مفاوضات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي برمته يبقى القول إنه من المشروع توجيه انتقادات لبعض جوانب الأداء السياسي لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية عموما شريطة أن يرتكز هذا النقد على أرضية صواب مبدأ المقاومة بالتوازي مع التأكيد على ضرورة تموضع فعل المقاومة وتكتيكاتها في إطار استراتيجية مدروسة لإدارة الصراع مع إسرائيل ومعسكر داعميها بما يعظم قدرات الشعب الفلسطيني على خوض مواجهة طويلة الأمد ويقلص قدرات إسرائيل وداعميها في توظيف نقاط قوتهم المتعلقة بالقصف الجوي والمدفعي عن بعد وتشديد الحصار الاقتصادي واستخدام تجويع المدنيين سلاحا في حرب الإبادة الإسرائيلية وتكثيف الحرب النفسية على الشعب الفلسطيني