حسابات ماكرون من الانتخابات الفرنسية المبكرة مغامرة غير محسوبة
٦٢ مشاهدة
استفاقت الطبقة السياسية الفرنسية صباح أمس الاثنين على حالة من الغليان نتيجة قرار الرئيس إيمانويل ماكرون المفاجئ حل الجمعية الوطنية الفرنسية البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في 30 يونيو حزيران الحالي ثم في 7 يوليو تموز المقبل وتأتي الانتخابات الفرنسية المبكرة المرتقبة على ضوء النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الأوروبية في فرنسا وحلول اليمين المتطرف في المرتبة الأولى بنسبة أصوات مضاعفة لحزب الرئيس النهضة بما نسبته 31 5 في مقابل 15 ومع أن النتيجة كانت متوقعة فإن ماكرون أعلن أنه لم يعد بوسعه أن يتصرف وكأن شيئا لم يكن وقرر وضع خيار المستقبل بين أيدي الفرنسيين عبر حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات فرنسية تشريعية مبكرة فاجأت كل الطيف السياسي الانتخابات الفرنسية المبكرة تفاجئ الجميع للوهلة الأولى بدا من الصعب توصيف هذا قرار الانتخابات الفرنسية المبكرة الذي قلب الطاولة في وجه الجميع بدءا بالسياسيين وصولا إلى الناخبين واضعا الكل أمام ضرورة الاختيار بين إعطاء حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف غالبية برلمانية أو إصلاح الخلل الذي حكم الانتخابات النيابية في العام 2022 وحرم التحالف الرئاسي حينها من غالبية برلمانية تمكنه من إكمال ما تبقى من سنوات عهده 2027 حرمان من غالبية برلمانية أرغم حكومات ماكرون على الاستعانة ببند دستوري استثنائي يتيح تمرير القوانين في البرلمان دون أن يصوت عليها المجلس النيابي هذا الرهان من خلال تنظيم الانتخابات الفرنسية المبكرة وما ينطوي عليه من مخاطر تحقيق اليمين المتطرف الغالبية البرلمانية هو الذي أدى إلى الصدمة خصوصا أنها المرة الأولى التي يجري فيها أي بلد أوروبي انتخابات مبكرة على خلفية نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي ستقتصر ولاية ماكرون على إدارة الأزمة إذا فاز اليمين وحل في المرتبة الثالثة الحزب الاشتراكي الذي تمكن من استعادة قسط من عافيته بحصوله على 14 من الأصوات وتلاه حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي بزعامة جان لوك ميلانشون والذي حصل على 9 1 من الأصوات وفشل حزب الجمهوريين اليميني بزعامة إريك سيوتي في تحسين موقعه واقتصرت نسبة الأصوات التي حصل عليها على 7 فيما سجل حزب الاسترداد على أقصى اليمين المتطرف ويتزعمه إريك زيمور بعض التقدم وحاز 5 3 من الأصوات يتضح من هذه النسب أن اليمين المتطرف هو اليوم الأوفر حظا بالفوز في الانتخابات الفرنسية المبكرة وأن ماكرون سيجد نفسه مضطرا لتسليمه زمام الحكومة الفرنسية المقبلة في إطار ما قد يكون أول حكومة تعايش مع اليمين المتطرف في تاريخ الجمهورية الخامسة وسيكون جوردان بارديلا مرشح اليمين المتطرف لرئاسة الحكومة هذا أسوأ الاحتمالات مع ما يعنيه ذلك من توترات اجتماعية وشلل حتمي لعمل المؤسسات الدستورية نظرا للتضارب في المواقف والطروحات والخيارات بين ماكرون واليمين المتطرف الذي سيعزز شعبيته خلال الانتخابات النيابية بانضمام ناخبي الاسترداد إليه في الجولة الثانية خصوصا ومن هذا المنطلق احتار مراقبون بين وصف قرار حل البرلمان بأنه قفزة في المجهول أو تصرف عديم المسؤولية أو لعب بالنار أو حتى انتحار سياسي خصوصا أن زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبان سارعت للتعليق على قرار ماكرون بالترحيب فيه قائلة إننا في جهوزية تامة لتولي الحكم وإن إرادتنا تقضي بالحصول على غالبية برلمانية قوية خدمة للفرنسيين وفي حال تحقق هذا الاحتمال فإن ما تبقى من ولاية ماكرون الرئاسية الثانية حتى العام 2027 سيقتصر على مجرد إدارة لأزمة التعايش من دون التمكن من إحراز أي تقدم في أي من المجالات وهو ما يثير حالة من التوجس العام في البلاد وقلقا كبيرا على المستقبل لكن البعض يرى أن خوض تجربة التعايش المريرة هذه قد يكون مجديا لإظهار عدم جدارة اليمين المتطرف لتولي مقاليد السلطة وبالتالي الإحجام عن إيصاله إلى سدة الرئاسة عبر الانتخابات المقبلة ما يعني أن ماكرون يضحي بما تبقى من حكمه لقطع الطريق على لوبان إلى القصر الرئاسي عكس ذلك يعتبر آخرون أن ماكرون يراهن ربما على إحداث يقظة لدى الفرنسيين غير المؤيدين لليمين المتطرف تحملهم على التعبئة في الانتخابات المقبلة والالتفاف مجددا حول مرشحي حزبه بما يتيح له استعادة غالبيته البرلمانية رغم أن كثيرين لا يعولون على مثل هذه اليقظة ويؤكدون أن مثل هذا الأوان فات منذ إعادة انتخابه لولاية ثانية بعد منافسته للوبان من هذا المنطلق دعا وزير الخارجية الأمين العام المساعد لحزب النهضة ستيفان سيجورنيه مناصري الحزب إلى عدم الاستسلام للواقع بل السعي إلى تغييره عبر صناديق الاقتراع مشيرا إلى أنه أمامنا 20 يوما فقط للإقناع والدفاع عن قناعاتنا والفوز يعتبر البعض أن ماكرون يراهن على إحداث يقظة لدى مؤيديه الاحتمال الآخر الذي يمكن أن يعول عليه ماكرون هو أن تؤدي نتائج الانتخابات الأوروبية الى إعادة إحياء اليقظة الجمهورية التي سبق أن شهدتها البلاد تكرارا منذ 2002 أي منذ وصول اليمين المتطرف للمرة الأولى إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية جان ماري لوبان في حينها في وجه جاك شيراك وأدت إلى وضع القوى السياسية التقليدية لصراعاتها جانبا واعتماد الاقتراع المجدي الذي يجنب البلاد خطر تولي اليمين المتطرف السلطة هذا الرهان بدوره بات يفتقر للواقعية على ضوء ردات الفعل التي تؤكد أن القوى السياسية التقليدية لم تعد بصدد مد اليد للرئيس وحمايته مجددا من اليمين المتطرف بعد فشله خلال ولايتيه في وقف صعوده وهو ما أكده الجمهوريون على لسان إريك سيوتي بقوله إنه من غير الوارد الدخول في صيغة تحالف أو ائتلاف مع حزب أوصل فرنسا إلى الحالة التي هي فيها أضف إلى ذلك أن تصويت ناخبي اليسار لحزب النهضة ولماكرون في كل جولة انتخابية ثانية أكانت رئاسية أم برلمانية غير مشجع بالنسبة للرئيس في كل مرة يواجه فيها اليمين المتطرف مغزى هذا الكلام أن باب التقارب موصد من قبل اليمين وهو موصد أيضا من قبل اليسار الذي يشهد اتصالات حثيثة بين مكوناته وخصوصا الاشتراكيين وحزب فرنسا الأبية بهدف توحيد الجهود والسعي إلى تحقيق اختراق برلماني خلال الانتخابات المقبلة من خلال إنشاء جبهة شعبية موحدة ويعتبر هؤلاء أنه كان من الأجدر بماكرون أن يعيد النظر بما أقره في مجال التعويض عن العاطلين عن العمل وتمديد عدد سنوات العمل قبل التقاعد وكذلك القانون المتعلق بالهجرة وغيرها بدلا من اللجوء إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات فرنسية تشريعية مبكرة واضعا بلده أمام المجهول