حروب التضليل أو الحروب الموازية
في أغلب الصراعات المسلحة تغيب الحقيقة عادةً، بل تكون هي أول وأكبر ضحايا الحروب والأزمات الكبرى، بل تظل الحقيقة هي الغائب الأهم في خضم كل الدّعايات والحروب النفسية، منذ زمن جوبلز، وزير إعلام هتلر، مروراً بـأحمد سعيد في مصر الناصرية أو محمد سعيد الصحاف في عراق صدام حسين، وغيرهم، وليس انتهاءً بمن استبدلوا اليوم صفة وزير الإعلام بوزراء دعايةٍ من نوعٍ آخر؛ مثل الناطق الرسمي باسم هذه الجهة أو تلك الجماعة، او الخبير الإستراتيجي، المموِّه لمهمته بخرائط الجرافيكس، وتقنيات التصوير المتعدد الأبعاد.
مهزلة البيانات الإنشائية، أو التحليلات العسكرية والسياسية المؤدلجة في بعض فضائياتنا العربية على أيدي هؤلاء الناطقين والخبراء تبدو جزءًا أصيلاً من عبثية الحروب الدائرة اليوم في بعض مناطق الشرق الأوسط، وخصوصاً في المنطقة العربية.
نرى على الشاشات اليوم الكثير من الأشخاص ممن يجري تقديمهم برتبهم العسكرية العالية، أو بصفاتهم القيادية السابقة في جيوش بلدانهم.
لا بأس في ذلك، لكن أغلبهم يتحدّث كما لو كان بالفعل خاض حروباً، وقاد معارك ميدانية طاحنة، في حين أنه قد لا يكون شارك في أي مواجهة عسكرية مع عدو خارجي، أو حتى في مجرد مناورة، أو تدريبٍ على القتال، بل الأنكى أن يكون نجاح بعضهم يكمن فقط في أنه قاد عمليات قمع داخلية في بلاده ضد احتجاجٍ هنا أو تمرّد محدودٍ هناك.
والأغرب كذلك أن يعمد بعض أمثال هؤلاء -عندما يتحدّثون عن حروب المنطقة- إلى تقديم معلومات مضللة، مستعينين بتقنياتٍ مرئيةٍ مبهرةٍ إعداداً وإخراجاً.
ولا بأس حتى في أن لا يكون بعض من تستضيفهم بعض تلك القنوات قادة عسكريين سابقين، بل يكفي أن يكون بعضهم خبراء أو باحثين حقيقيين عملوا أو لا يزالون يعملون في جهات حكومية ذات صلة، أو مراكز بحثية مرموقة، وليس مجرد متقاعدين تُجاوز الواقع تجاربهم السابقة القديمة.
المشكلة أيضاً تكمن في أن أدنى شروط التحليل العسكري أو السياسي، المفترضة بمنهجية وحياد علمي، لا يتوفّر لدى البعض من هؤلاء، إذ غالباً ما يتم تبنّي أجندة الجهة التي تنتمي إليها القناة
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على