حرب الأخرس مشرق ما بعد التاريخ
في الماضي القريب، كانت الموسيقى البديلة (Indie) تسميةً جامعةً (Umbrella term) غالباً ما تُصنَّف تحتها أغانٍ مستقلّة في إنتاجها عن التيّار السائد، موجَّهة إلى ذائقةٍ شبابيةٍ أرفع، وأقربَ إلى أن تمثّل الجزء الناطق بالعربية من طبقةٍ وُسطى معولَمة، يُفترض أنّها مشغولةٌ بقضايا سياسيةٍ وثقافيةٍ واجتماعيةٍ محلِّيةٍ وكونيّة.
أما اليوم، فإن معالم تلاقُحها بالأغنية الجماهيرية، بلونها الشعبيّ على وجه الخصوص، ما انفكّت تتّضح باطّراد، منذ أن تذوّق صُنّاعها طَعمَ سوق الإنتاج الفنّيّ المدرار، فخرجوا إلى سطح الشهرة ونِسَب المشاهدة، بعد أن كانوا في الأعماق وتحت الأرض (Underground) زمان النسائم البِكر للربيع العربيّ، سنة 2011.
إلا أن نجم الإندي الأردنيّ الصاعد، المُلقَّب بـالأخرس (25 عاماً)، استطاع، من حيث لم يدرِ أو يُرِد على الأغلب، أن يجعل من أغنيته الأخيرة، حرب، مرآةً تعكس صورةَ الشرق بسماتها المستقبلية الأكثرَ قتامةً. ليس لأيّ غرضٍ نشاطويٍّ توعويّ، ولا بفضل رؤيةٍ استشرافيةٍ نافذةٍ أتته هو أو أحد ضمن طاقمه الإنتاجيّ، بل جاءت ناتجاً ثانويّاً (Byproduct) لما يُراد له، من منظورٍ تسويقيٍّ، أن يكون مُنتجاً فنّياً جماهيرياً متعوباً عليه، يحظى بانتباه أعرض جمهورٍ من المستمعين والمشاهدين.
الأغنية من كلماته وألحانه، وزّعها عزّ الكيلاني، موضوعة على مقام الكُرد، ومشغولة بلون الدبكة الكرديّة لمنطقة الفرات. تُستهلّ بعرض لحن المذهب الراقص على آلة الساز القريبة من البُزق، بأسلوبٍ يستدعي الأنماطَ الأناضوليّة بالعزف، ريثما يأتي إسنادُها بآلة الأورغ – السنثسايزر. ثم يَفِدُ لحنٌ مغاير، مُنوَّعٌ ومُزوَّدٌ بكسورٍ إيقاعيّةٍ جذّابة (وياه قلبي، ثانية 0:49) يحمل أبيات الكوبليه، فيما يُبقى على المقام والرقصة من دون تغيير طوالَ الأغنية.
وكما هي العادة ضمن لون الشعبيّ الإلكترونيّ، أو الأورينتال تكنو، فقد غُلِّفَ المُنتَج بطبقاتٍ عديدةٍ من المُحسّنات والمُنكّهات الصوتيّة، وصُمِّمت له خلفيّةٌ موسيقيّةٌ مُشبَعة بكليشيهات المؤثّرات الرقميّة والعَيّنات، المسجّلة في بيئة حيّة، أو المشغولة على الكمبيوتر أو المشتراة من منصّات صنع العيّنات: من أكُفٍّ تُصفِّق، وزغاريدَ أعراس، وهتافاتٍ وصيحاتٍ تُرافِق الدَّب والدَّبك، فضلاً عن صوتِ آلة المجوز المُعاد إنتاجُه إلكترونياً، وقد أصبح البصمةَ الصوتيّةَ السائدة للأغنية
ارسال الخبر الى: