جيلنا الحالم جيلنا المصدوم

٢٨ مشاهدة
في وثائقي عن ضخامة الكون قال أحد الباحثين المخضرمين إنه يضطر في كل مؤتمر يحضره إلى كتم ضحكاته كلما سمع عبارات حالمة من الباحثين الشباب تتحدث عن محاولاتهم مع وكالات الفضاء في تحويل مسار كويكب أو إزاحة دوران جسيم وهم يتداولون بثقة عبارات واثقة نحو سيكون هذا أول تأثير للبشر في الفضاء الخارجي أو سيضع البشر أخيرا بصمتهم في حركة الكون هل تتخيل كم هو الفضاء ضخم للغاية بشكل لا يستوعبه عقلك من الأساس أي تأثير يمكن أن يخلقه إلقاء حبة رمل في ماء المحيط العظيم من سينتبه والأهم كم سيغير هذا في مسار الكون وخطة الأجرام على النحو نفسه قبل عشر سنوات أو يزيد كنا نحن جيل المراهقين الذي يراهن الجميع على الوصول إليه والتأثير فيه عاصرنا المدونات والمنتديات أول ظهورها ويتذكر كثير منا أول مرة سمع عن مواقع التواصل الاجتماعي لعبنا فيفا 98 وبلايستيشن وان وسوبر ماريو ومورتال كومبات كنا هكذا قبل أن نتورط في الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارنا قبل انطلاق ثورات الربيع العربي كنا طلاب الجامعات وخريجيها الجدد التائهون في سوق العمل وأمام السفارات الشاعرون ربما لأول مرة بمساحة حرية رقمية تضع لرأيك قيمة ولو أمام الأصحاب الخمسة الذين تجبرهم كل مرة على فتح مدونتك أو حسابك من هاتفهم أو حاسوب منزلهم وأمام ثورات الربيع العربي وجدنا ثلاثة أجيال متشابكة تتجمع في الميادين جيل واع يدرك ما يفعله يحسب ويقيم ويخطط وجيل حالم هو جيلنا تحركه المشاعر والأحلام والرغبة في تغيير العالم كله للأفضل وجيل مقلد أغلبه من صغار السن يقوده حب ممثل أو لاعب أو قدوة ما ظهر في الميدان بين المتظاهرين لو كان ما أردنا بالأمس في ميدان التحرير وحلب وطرابلس ما كان ما أردوا اليوم في رفح وخانيونس وحي الزيتون وهكذا بشاعرية حالمة وغايات مثالية خرجنا للميادين مؤمنين بأن ثمة ما يمكننا أن نفعل حيال هذا العالم وشره وأن النسخة التي سنضع ملامحها لأرض جديدة ستكون بلا مظلومين أو بؤساء كنا نهتف لمصر ونقصد سورية ونشارك مقاطع تونس ونعلق للسودان هتفنا مع الجزائريين ينتاحو قاع رغم أننا لا نفهم معناها وغنينا مع الساروت يا يوم لا تبكي بيوم وحفظنا خلف الليبيين نشيدهم الخالد سوف نبقى هنا جيلنا في مراهقته كان أحد أكثر الأجيال نفرة وغضبا كنا جيلا مزعجا مارقا غير مبال بالخطر كان النضال العام أجدى في تصورنا من النضالات الخاصة وكان السعي لبناء وطن حقيقي كما تصوره كل منا غاية نتزاحم لأجلها ونشتبك ونهاجم ونتراجع لكن اليوم تصيبك نسختك الجديدة بالصدمة من نفسك كيف مضيت تختار السلامة وتجتنب المصادمة لا تدري كيف استحالت نسختك القديمة الثائرة الغاضبة نسخة منكسرة خائفة مرتدة كلنا على نحو ما خضنا مع أنفسنا حديث نفس مرة لو قامت ثورة اليوم في مصر أو الشام هل نسارع إلى مقدمتها كما فعلنا المرة الفائتة يتمنى كلنا أن نفعل لكننا نعلم أيضا أننا هذه المرة لن نكون في مقدمة الصف هذا إن لم نكن في الصف المقابل أصلا صرنا محملين اليوم بمسؤوليات وأولاد وعوائل ونضالات أوراق الثبوت وتأشيرات العبور والإقامات صرنا أصغر وأصغر أمام تقنيات الرقمية التي باتت أصعب من أن نفهمها وهي التي أنصفتنا ذات يوم حين غلبنا الجيل الأكبر بمعرفتها فظننا أنه يمكننا فك شفرة العالم كله وهكذا مدفوعين بهزيمتنا عبرت إلى خواطرنا قناعة بأن نضالات الأمس التي خسرناها لم تكن ذات جدوى من الأساس وأن الخصم الذي ظننا أنه سرعان ما انكسر أمام تغولنا كان أقوى وأخبث كثيرا مما تصورته أحلامنا الشابة وقليلة الخبرة لكن ثمة شيء حدث منذ اليوم العظيم في غزة وما لحقها من مشاهد خيانات بلادنا للقطاع وأهله والضحايا الذين يسقطون اليوم بأيدينا لا بأيدي العدو عاد إيمان دفين بأن نضالاتنا القديمة كانت تستحق وأنه لو كتب لنا في سعي الأمس النصر ما كانت غزة لتكون اليوم وحدها وأن رابعة هي حلب وود النورة هي خانيونس وبرقة هي عرسال وأن بشار والسيسي هما بايدن ونتنياهو وأن كل معتقل في سجون مصر هو أسير في سجون الاحتلال نضالاتنا ضد الطغاة لم تكن عبثا واستحياؤنا منها ليس سوى أمارات هزيمة ثمة ما ناضلنا لأجله يوما كان لو كان ليحمي غزة اليوم ويرفع بأسها ويعظم سوادها ويكتب لها على عدوها النصر ثمة ما ناضلنا لأجله وكأننا بطريقة ما كنا نرفع عذرنا إليهم مقدما حتى بعدما بتنا وهم نخوض اليوم تبعات الخذلان والخسارة يوم كنا في الميادين لا نملك اليوم لأهل غزة ما نرفعه عذرا سوى أننا حاولنا قطعنا على عدوهم الطريق أربكنا الخطة وبعثرنا الأوراق لكن القصور لم تحبنا كما أحبتنا الميادين ووالله لو كان ما أردنا بالأمس في ميدان التحرير وحلب وطرابلس ما كان ما أردوا اليوم في رفح وخانيونس وحي الزيتون

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح