عادت كتابات كتاب سوريين إلى مراجعة مفاهيم الهوية والوطن والشعب على خلفية ضرورة كسر الجمود المخيم على المشهد السياسي السوري وقد ذهبت بعض كتاباتهم مذاهب لا تنسجم مع هدفها المعلن تحريك المياه الراكدة والدفع نحو التغيير المنشود في حديث قصير على فيديو تحت عنوان ما يحدث للمجتمعات في الحروب نشره على صفحته في فيسبوك يوم 11 الشهر الماضي مايو أيار قال أحمد الرمح إنه لا يوافق على قول ابن خلدون إن الدولة تقوم على العصبية الدينية والقومية وإن الدولة اليوم تقوم على العدالة الاجتماعية وحكم القانون وتكافؤ الفرص قول متسرع لأن العدالة الاجتماعية وحكم القانون وتكافؤ الفرص ليست سببا لقيام الدولة بل قواعد لنظام الحكم هذا أولا أما ثانيا فالدولة تقوم على العصبية وتحتاج إلى العصبية الدينية أو القومية أو لكليهما من أجل الاستقرار والاستمرار فالعصبية ضرورية لقيام الدولة مع الإقرار بتغير مرتكزها من الأسرة إلى العشيرة فالقبيلة فالشعب فالأمة فالدولة من دون عصبية تغدو هشة وقابلة للتفكك والاندثار وهذا ما نشهده في الدول التي تفتقر إلى التوافق الوطني على الانتماء وعلى الهوية السياسية وما نلاحظه من قيام الدول بتطوير هياكلها وتحسين أدائها الوظيفي وتمتين علاقتها بمواطنيها ليس أكثر من محاولة لتعزيز العصبية التي ارتكزت عليها دينية كانت أم قومية عند قيامها كونها عرضة للتآكل والضعف مع طول الوقت وتغير الظروف والمفاهيم والإمكانات عبر ربطها بتحقيق مصالح وفوائد للمواطنين في دولة الرعاية الاجتماعية ومنح المواطنين الحريات من حق اختيار القيادة إلى تشكيل كيانات سياسية أحزاب ونقابات لتكون أداتهم في الضغط على الحكومة التي فوضتها الدولة بالقيام نيابة عنها بإدارة البلد عندما تتجاوز صلاحياتها أو تتعدى على حقوق المواطنين ومصالحهم فالدولة اليوم لا تختلف عن الدولة في زمن ابن خلدون في حاجتها للعصبية الدينية أو القومية وهذا ما نلمسه في سعي الدول إلى تعزيز سردياتها وذلك بتأسيس الصحف والإذاعات وقنوات التلفزيون لترويج قيم ثقافية واجتماعية محددة داخليا وتشكيل الجيوش وأجهزة المخابرات لمواجهة الخارج والدفاع عن البلد وحمايته من العدوان والاختراق الأمني وفرض الضرائب على الواردات ودعم المزارعين والصناعيين ماليا كي تكون ظروف إنتاجهم مواتية ويحققوا للدولة ما تصبو إليه من ترسخ كيانها وحمايته عبر تفوقها وتقدمها على أقرانها في التنافس في كل المجالات العلمية والتقنية والثقافية والتأثير الجيوسياسي أسوأ ما يمكن أن تواجهه فكرة أو دعوة عدم تمسك دعاتها بها أو تجاهل مقتضياتها في ممارستهم العملية فكون القول والعمل متطابقين يعني الكثير في التجربة الحية في سياق آخر سرد بسام يوسف في مقالته أما آن لنا أن نعترف موقع تلفزيون سوريا 15 5 2024 حقائق تحكم وفق قراءته واقعنا السوري قال وأولى هذه الحقائق أننا اليوم نستحضر وقائع تاريخ طويل من الكراهية المعلنة أو المسكوت عنها كراهية تضرب جذورها عميقا في بنية ثقافتنا وهوياتنا لم نخرجها أقصد الكراهية إلى مساحة الضوء لنواجهها كما ينبغي ولم نؤسس لأي بيئة تمنع عنها أسباب الحياة لتموت لعل ثاني هذه الحقائق أننا لم نكن يوما شعبا واحدا فهذه الجغرافية التي رسمتها مصالح أطراف خارجية مستعمرة لم ترسم بناء على حقائق تاريخية وديموغرافية كأولوية لتأسيس الدولة بل رسمت وفق مصالح من رسموها وهكذا وجد سكان هذا الحيز الجغرافي أنفسهم في دولة تحاول أن تتلمس ملامحها وسط تناقضات عميقة فيها تناقضات تضرب عميقا في بنيتها وتحتاج للخروج منها لثقافة مغايرة ومنفتحة دولة قادرة على صياغة علاقات جديدة بين أفرادها تحترم تبايناتهم وتحقق مصالحهم وتحفظ كرامتهم وحريتهم قول فيه من الواقعية الكثير ولكنه يعاني في جانب منه ضعفا قاتلا على خلفية تركيزه على الجغرافيا وتجاهله التاريخ وفحواه وطبيعة النقلة التي أحدثها الرسم الاستعماري لحدود الدولة السورية والزلزال الذي أحدثه في الاجتماع السوري بفرض محتوى للانتماء والهوية والمواطنة الوطن الجغرافية تتعارض وتتناقض مع ما كان عليه هذا الاجتماع في ظل محتوى آخر للانتماء والهوية والمواطنة الإسلام الإيمان وتحول التعارض والتناقض بين المحتويين إلى صراع سياسي جذره قيمي ووجداني من جهة وإلى بروز التباينات العرقية والانقسامات الاثنية بين المواطنين على خلفية نشوء تعارض في المصالح داخل حدود الدولة الوليدة من جهة ثانية ما جعل فرصة استقرار هذه الدولة عرضة لاهتزازات قوية فالقطيعة التي أحدثها الاستعمار بين الماضي والحاضر عبر تقسيمه المنطقة جغرافيا وسياسيا جعلت سورية مولودا هجينا لا هو ابن المجال السياسي الإسلامي القديم ولا هو ابن المجال السياسي الغربي الحديث ما جعلها مختلة التوازن ومشتتة بين قيم وأعراف اجتماعية تاريخية راسخة وبين قيم وأعراف غريبة ومفروضة زاد الطين بلة قيام أنظمة قائمة على التغلب وتتبنى سياسات أساسها القسر والتمييز كانت كتابات ليبراليين سوريين قد وقعت في المطب نفسه بربطها الاهتزازات الداخلية وعدم ثبات الدولة الوطنية بدعوات القوميين والإسلاميين وتطلعاتهم إلى دولة فوق وطنية عربية وإسلامية على التوالي متجاهلين الصراع الذي فجره إسقاط كيان سياسي من خارج السياق المحلي على اجتماع عاش قرونا طويلة في ظل كيان وقيم مختلفة وراسخة في الوجدان الشعبي ما جعل رفض الكيان الجديد تحصيل حاصل لقد ترتب على التعاطي مع الدولة السورية الجديدة باعتبارها دولة طبيعية سوء تقدير من جهة وتصادم مع المزاج الشعبي من جهة ثانية وقد زاد الطين بلة قيام أنظمة قائمة على التغلب وتتبنى سياسات أساسها القسر والتمييز ما قاد إلى تعميق التباينات الداخلية وتكريس الانقسامات العرقية والإثنية كما لعبت سياسات الغرب الاستعماري دورا وازنا في تكريس الشك وعدم الثقة في الكيان الوليد عندما تبنى نظرة عدائية للإسلام بدءا بعدم الاعتراف به دينا مستقلا اعتبره هرطقة مسيحية واعتبر النبي محمد عليه الصلاة والسلام إرهابيا ولم يعترف بالقرآن الكريم كتابا سماويا منزلا ودعا المسلمين إلى الاكتفاء بأداء الشعائر ورفض المحددات الاجتماعية والأخلاقية للدين الحنيف وهذا جعل الخروج من حالة التعارض والتناقض يستدعي محليا إعادة نظر في القراءات السائدة ووضع النقاط على الحروف باعتبار الحاصل اليوم امتدادا لهذا التحول والعمل على احتواء أضراره وإدارة الاجتماع السوري عبر البحث عن توازن يخفف حدة التعارض والتناقض ويفتح الطريق للسير نحو الاندماج الوطني في مسيرة تراكمية مديدة ويستدعي من الغرب تغييرا واضحا في موقفه من الإسلام بالاعتراف به دينا سماويا مستقلا والاعتراف بخصوصيته واحترام توجهاته وخياراته الاجتماعية والأخلاقية وأخذها بعين الاعتبار في التعامل والعلاقات البينية فالاعتراف بالهوية والخصوصية الإسلامية نقطة جوهرية في خرق جدار العداوة والكراهية وجسر الفجوة وامتصاص الشعور بالاحتقار والغبن والإجحاف وما يترتب على ذلك من ردود فعل وممارسات عنيفة وغير عنيفة ترتب على التعاطي مع الدولة السورية الجديدة باعتبارها دولة طبيعية سوء تقدير من جهة وتصادم مع المزاج الشعبي من جهة ثانية في مقالته وثيقة المناطق الثلاث مناهضة المثلية السياسية موقع تلفزيون سوريا 7 6 2024 طرح مضر رياض الدبس رؤية ناضجة بشأن العمل بين القوى السياسية خدمة للوطنية السورية تستبدل قاعدة اعمل معي بقاعدة اعمل مثلي السائدة وهي نقطة في غاية الأهمية والصعوبة في آن لأنها بحاجة إلى قدرات على ضبط النفس والتحكم بالمشاعر والسيطرة عليها والتخلي عن الأنانيات الشخصية والحزبية كما تحتاج إلى وعي سياسي عال وإلى شفافية كاملة لتكريس الثقة داخل كيانها السياسي وبين هذا الكيان والكيانات السياسية الأخرى وبين كيانها وقوى المجتمع السوري يحتاج تحقيق قاعدة اعمل معي روحية جديدة في العمل والتفاعل الفردي والجماعي تستبعد التكتلات المغلقة والعصبيات الضيقة كما يحتاج إلى نزوع عقلاني شامل يربط بين الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ربطا جدليا أو عبر هجمة منطقية شاملة وفق عبارة المفكر الأميركي المستقبلي ألفين توفلر يحدد أحجامها وعلاقاتها ومآلاتها بحيث يكون انسجام الرؤية وامتداداتها واقعا لا تشوبه التناقضات والتعارضات يستدعي هذا التنظير الدقيق من أصحابه تأكيده عمليا والقيام بدور عملي في ترويجه وإلا فقد معناه ومبتغاه وذلك بتجسيده في ممارستهم العملية عبر الابتعاد عن الحزازات والسجالات الحادة مع أصحاب المواقف المخالفة كما حصل مع أصحاب وثيقة المبادئ الخمسة لأن أسوأ ما يمكن أن تواجهه فكرة أو دعوة عدم تمسك دعاتها بها أو تجاهل مقتضياتها في ممارستهم العملية فكون القول والعمل متطابقين يعني الكثير في التجربة الحية ولأن تجسيده من أصحابه سيسهل على الآخرين الاقتناع بصدقيتهم والانخراط معهم في عمل مباشر من جهة وترويجه وترويج صحابه خلال تفاعلهم مع الأوساط القريبة منهم على أساسه من جهة ثانية ما يعني اجتياز الفكرة حاجز الشك اللعين