جسور حسن الشاعر شواهد على مصائر مفجوعة
بعيداً عن الهواجس الفنية المجردة، وقريباً أكثر فأكثر من عوالم المهاجرين غير الشرعيين، يحاول الفنان التشكيلي المغربي حسن الشاعر مساءلة واقع إنساني معطوبٍ تَصدّعت فيه الروابط التي تجمع بين البشر، وتقديم رؤية فنية تعيد التفكير في معاني العبور، وتستحضر الجسر عنواناً وفكرة تصف فضاءً معلّقًا تتقاطع فيه الأسئلة الوجودية بالانشغالات الجمالية.
هذا ما يشاهده الجمهور في معرض جسور الذي يستضيفه رواق «غاب آرت سبيس» بمدينة سلا المغربية، خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 21 من هذا الشهر.
المعرض وكما يقول الشاعر محطّة في مسار إبداعي طويل لا يكفّ عن التجدد. فهو، كما يؤكّد، لا يشتغل إلا على فكرة واحدة تسكنه منذ بداياته التشكيلية الأولى: المهاجرون، خصوصًا السريّون منهم، وعلاقتهم بالأرض، وبالهوية، وبالحياة التي يضحّون بها من أجل حياة أخرى ربما لن تكون لهم أبدًا.
وتبعاً لهذا يقترح هنا مجموعة من الأعمال التشكيلية الهجينة التي تستلهم مادتها من حسّ تجريبي ناضج، يزاوج فيها بين صباغة تعتمد تنويعات على اللون الواحد (مونوكرومية) متقلّبة من بياض الطبشور إلى سواد السخام، وعناصر أخرى كالخشب والحجارة والحبال والحديد، شُدّت على سطح اللوحة في بناء بصري يراكم الأشكال والخامات، ويستثمر تباين الضوء والظل لينشئ تركيبات تتجاور فيها الهشاشة مع القساوة، مشكّلة توليفات تمتدّ على جدران الرواق كمتاهات جسور لا تكشف عن مسارٍ واضح، بل تُغري المتلقي بالانخراط في قراءات متعدّدة يتحوّل فيها العبور إلى تجربة مرئية مفتوحة على سيناريوهات يغدو الجسر فيها بنية تتشابك فيها الدلالات.
الجسر هنا، في اللوحات، ليس يقيناً، بل هو إمكان. ليس وعداً مضموناً بالوصول، بل تجربة للسير فوق احتمالات متعددة. ذلك أنّ الشاعر لا يرى في الجسر مجرّد منشأة هندسية تربط بين ضفّتين، بل بوصفه استعارة لحالة وجودية معلّقة بين حبال الحلم وصخور الواقع، بين ما نملكه وما نفتقده؛ هو مسافة متوتّرة بين الأمل الذي يلوح في الأفق، والخيبة التي تتربّص بنا في كلّ خطوة. هو بُعدٌ يتأرجح فيه الرجاء على حافتي الألم.
/>في الكثير من لوحاته، يفقد الجسر أفقيّته
ارسال الخبر الى: