جرح يتنكر

يمنات
زاهر الأسعد – فلسطين
أجلس إلى نفسي
كما يجلس الغريب إلى وطن ضائع
على كرسي مكسور يئن تحت ثقل الغياب
مائدة من صمت ثقيل
أضع عليها اعترافات لم تُكتب
دموعًا بلا طريق
وأحلامًا انكسرت عند أول ريح
نافذة نصف مفتوحة
يدخل منها غبار الضوء
وصوت خطوات بعيدة يذكرني أن العالم ما زال يمشي
أحادث نفسي كما يحادث المنفي ظلَّه
أصغي إلى ارتجافها كما يصغي العاشق إلى قلبه
أعاتبها كما يعاتب الأب ابنه
وأضحك معها كما يضحك طفل على لعبة مكسورة
ثم أصمت فجأة
كأنني أختبر ارتجافها لا غيابها
الصمت جرح متنكر
الأحلام الضائعة ليست خطأ
والخيبات ليست ثقلًا
بل علامات على أن الروح قاومت ولم تستسلم
يمر الليل ببطء
يترك على الجدار أثره
وعند الفجر يسكب خيطًا أزرق
ثم يذوب في وردي خفيف
كأن الزمن يفتح نافذة أخرى للحياة
ومن بعيد يتسلل ضوء خافت
وأرى عابرًا يحمل خبزه
يذكرني أن الحياة أبسط مما أظن
وأن المنفى ليس سوى طريق آخر للعودة
وأسمع في البلدة هرولة أناس
نحو حقول تستيقظ للعمل
وضوء مصباح يضيء واجهة متجر صغير
كأنها تذكرني أن الغياب لا يكتمل إلا بالحضور
وأن الصمت لا يكتمل إلا بصوت بعيد
أقترب منها كما يقترب العاشق من معشوقته
لا ليطالبها بشيء
بل ليقول لها: أنا هنا
لن أتركها
سأظل أضع همسي في أذنها
حتى وإن غلبها الصمت
يمر الليل بلا ملامح
وعند الفجر يتكشّف جرح يتنكر
في حلمٍ مكسور
أو طريقٍ بلا لافتة
أو ضحكةٍ معلّقة في الهواء
لكنه يظل يفتح فضاءً
لا يعرف النهاية
ارسال الخبر الى: