جداريات أم درمان عودة الحياة لا تجميلها
بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى شوارع أُمّ درمان، المدينة السودانية التي سكتت فيها أصوات المدافع منذ ستة أشهر، وهي إحدى المدن الثلاث للعاصمة الخرطوم. هناك يتوجّه الفنان التشكيلي السوداني سهل الطئيب إلى مواقع استعادت عافيتها ليشرع في تنفيذ جدارية جديدة، في محاولة لإضفاء روح على بقعة المهدي كما تُعرف المدينة. ويستحضر المشهد الراهن ما عاشته أم درمان قبل قرنين حين قصفتها مدافع المكسيم التي جرّها اللورد كتشنر قائد حملة الغزو البريطاني عبر صحراء أبو حمد.
على الجدران التي بدأ سهل الطيب ورفاقه تلوينها ومعالجتها، تتشكل مساحات جديدة لإعادة ترميم جماليات أم درمان. هذه المبادرة حفّزت مجموعات فنية أخرى، خصوصاً المسرحيين، على مواصلة جهودهم في إحياء مسرح المدارس وترميم المسرح القومي، المتوقع أن يستقبل عروضاً في شتاء 2026. هنا تتلاقى المبادرات الشعبية قبل أي تدخل حكومي.
في إبريل/نيسان الماضي بدأ تلوين شارع النيل في أُمّ درمان بمشاركة فاعلين ثقافيين زيّنوا الشارع بالتوازي مع عودة النشاط الثقافي والفكري. ومن أبرز المؤشرات على ذلك عودةُ دار المصورات للنشر والتوزيع إلى مقرها في وسط الخرطوم، وإعادة افتتاح الدار السودانية للكتب.
أرشيف بصري للثورة يوثّق لحظاتها ويُجسّد رموزها
ليس فن الجداريات في الخرطوم ظاهرة حديثة، بل يمتد تاريخه إلى أزمنة قديمة، لكنه شهد تحولات كبيرة في شكله ومضمونه ليُصبح مرآة تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي للبلاد. يعود أقدم فن جداري في السودان إلى العصور القديمة في شمال البلاد، ووثّقت البعثات الأثرية في مناطق مثل الكرو ودنقلا العجوز اكتشافات لجداريات داخل المعابد والمقابر، تحمل نقوشاً ورسومات هيروغليفية ومَرَويّة تعكس الحضارة النوبية، بالإضافة إلى رسومات مسيحية في الممالك النوبية القديمة، والتي تُظهر مشاهد دينية للمسيح والملاك ميخائيل، نفّذت ببراعة فنية عالية وألوان ما زالت محتفظة بجمالها حتى اليوم.
/>في العصر الحديث، تطوّر فن الجداريات ليُصبح أكثر ارتباطًا بالحياة اليومية. برز فنانون فطريون، لم يتلقوا تعليماً أكاديمياً، مثل جحا (موسى قاسم السيد كزام) الذي اشتهر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي برسم لوحات إعلانية ضخمة على جدران المقاهي والمحال
ارسال الخبر الى: