تونس حين يغيب عقل السلطة
الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة، والسياسي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح ودفع المفاسد.
(من مقدمة ابن خلدون)
في جوهره، لا يقوم فعل المستبد على العقلانية أو الرصانة، بل على غريزة البقاء والسيطرة. والسلطة عنده لا تُمارس لخدمة الصالح العام، بل لتأمين مصالحه الخاصة وتعزيز بقائه، حتى لو كان ذلك على حساب الدولة أو المجتمع الذي يَحكمه. وهو ما تؤكّده الأدبيات السياسية الحديثة، التي تَدرس الأنظمة الاستبدادية وتصف سلوك الحاكم بأنّه غير واقعي، يعبّر عن ضيق الأفق، وغياب الرؤية. وهذه الحقيقة على بداهتها، تجد من يُنكرها من النخب السياسية والثقافية في كلّ بيئات الاستبداد التي قد تنشأ في أيّ دولة، بل وتدفع عن هذه البيئات النقد، حتى تواجه بنفسها لاحقًا قضايا سياسية جائرة، لا تقدر على مقاومتها أبدًا.
بمعنى آخر، الحاكم الاستبدادي لا يفكّر بعقلانية الدولة، بل بعقلانية نفسه، مُتستّرًا وراء الخطاب الشعبوي السائد: أنا الشعب. أي إنّ السلطة عنده تتحوّل إلى أداة لتحقيق الرغبات الشخصية، مهما كان الثمن الاجتماعي أو السياسي.
الدافع وراء انعكاس هذا التوصيف على التجربة التونسية، منذ الإمساك بزمام السلطة من قبل أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، يوم 25 يوليو/ تموز 2021، استهداف السلطة الحالية لكثير من الشخصيات السياسية والإعلامية، والنقابية، التي ساندت سعيّد ودعمته، في سعيه للاستيلاء على كلّ السلطات والتفرّد بالرأي والقرار، وآخرها ما حصل مع المسؤول في الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في البلاد، لسعد اليعقوبي، بعد إيقافه من قبل القضاء، واتهامه باحتكار مواد استهلاكية بأحد المخازن التابعة له، رغم أنّ الكمية المُحتجزة لا يمكن أن تكون كافية لممارسة المضاربة وخلخلة السوق المحلية عبر سحبها من السوق أو رفع الأسعار، وهو ما أثار سخرية نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حول هذه القضية.
لكن السلطة تمارس قمعها عندما يشتدّ عليها الخناق، خصوصًا أنّ هذا الحكم القضائي جاء بعد يومين فقط من إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام ليوم في المؤسسات التعليمية للمطالبة ببعض حقوقه
ارسال الخبر الى: