أثار بيان أصدره فرع وكالة تونس أفريقيا للأنباء وات في النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وهي الوكالة الرسمية التي تنشر أخبار الشأن التونسي استغراب متابعين عديدين بعد أن كشف أن المدير العام والمدير العام المساعد للتحرير في الوكالة حجبا خبرا بثته الوكالة في يوم 4 يوليو تموز الحالي يتعلق بإعلان سياسي تونسي مستقل الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية وهو منذر الزنايدي المقيم في فرنسا منفاه الاختياري منذ سنوات يعبر البيان عن بالغ استنكار النقابة لهذا الحجب الذي عمدت إليه الإدارة لخبر من صميم مهام الوكالة فضلا عن أهميته في سياق انتخابي لا يزال يثير شكوكا كثيرة خصوصا بعد أن أعلن الرئيس قيس سعيد في أمره دعوة الناخبين يوم 6 أكتوبر تشرين الأول 2024 موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية وكان يمكن للرئيس أن يختار يوما آخر من أيام آحاد أكتوبر ولكن يبدو أن في اختياره هذا اليوم دغدغة لمشاعر عروبية يبديها إذ يتزامن الموعد ذاك مع ذكرى حرب أكتوبر 1973 يضيف البيان المذكور أن الحجب بحذف الخبر الذي صدر في موقع الوكالة قد رافقه أيضا منع تغطية ندوة صحافية كان الحزب الدستوري الحر يعتزم تنظيمها السبت الماضي خصوصا أن زعيمته ومؤسسته عبير موسي في السجن منذ أشهر عديدة على خلفية اتهامات وجهت إليها تتعلق بثلب الطعن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أصبح الترشح للرئاسيات تهمة في حد ذاتها يتندر بها التونسيون فيدعون بعضهم على بعض بها نظرا إلى سوء عاقبتها وقد أعطى مدير عام هذه المؤسسة الإعلامية العريقة تعليماته بإزالة الخبر ذاك من جميع الوسائط الإعلامية للوكالة وتعتبر النقابة أن هذه الإجراءات تنخرط مجددا في مسعى الإدارة إلى جر المؤسسة إلى صلب المواقف السياسية وتوظيفها من السلطة وتذكر تماما بـالعودة إلى مربع الصنصرة وكان الحجب قد اختفى بشكل يكاد يكون نهائيا في عشرية الانتقال الديمقراطي لاعتبارات عديدة لعل أكثرها أهمية دفاع الصحافيين عن مهنتهم ومعاييرها الدولية التي تقتضي غياب الرقابة فضلا عن استقلال الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية بما فيها العمومية التي كانت سابقا تسمى مؤسسات حكومية أو مؤسسات رسمية تلقي هذه الممارسات المستجدة بظلال الشك على المناخ السياسي الذي يمكن أن تجرى فيه الانتخابات الرئاسية خصوصا في ظل التوقيفات التي طاولت بعض من أعلنوا عزمهم الترشح للانتخابات المقبلة علاوة على ملاحقات أمنية وقضائية لآخرين منهم جديدها أخيرا إيقاف الطبيب لطفي المرايحي المترشح هو أيضا وتوجيه تهم قضائية لطبيب ومرشح آخر أيضا هو وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي رئيس حزب الإنجاز والعمل في قضية تتعلق بموت سجين سابق نتيجة شبهة الإهمال الطبي وبغض النظر عن الأحداث التي تواترت أخيرا ما شكل مناخا من الخوف عاد مجددا ليلجم منذ مدة ألسنا عديدة أصبح الترشح للرئاسيات تهمة في حد ذاتها يتندر بها التونسيون فيدعون بعضهم على بعض بها نظرا إلى سوء عاقبتها لا تمكن المبالغة في التعبير عن مفاجأتنا بما يجري كله حاليا فالرقابة المختلفة كانت ولا تزال ركنا حصينا للنظم الأوتوقراطية تذهب الفيلسوفة حنة أرندت التي سخرت دراساتها لتشريح الأنظمة السلطوية إلى اعتبار الرقابة المختلفة ركنا أساسيا لسياسات تلك الأنظمة حتى تحكم إدارتها المنفردة للمجتمع وعلى هذا النحو تحتكر السلطة وظيفة الرقابة وهي التي تبدأ بأبسط الأشياء على غرار رقابة البرامج التعليمية وصولا إلى رقابة الفضاء الجغرافي ومختلف أشكال الخدمات وحتى الحياة الحميمة الخاصة للمواطنين تراجعت الرقابة في تونس بشكل كبير خلال العشرية الماضية من تجربة الانتقال الديمقراطي ولم يكن ذلك مجرد قناعة للسلطات التي أدارت تلك المرحلة بل أيضا للتشريعات التي ألغت الرقابة المسبقة على أي محتوى بشكل نهائي فقد نص دستور 2014 بشكل صريح على ذلك إلا أن زحف الرقابة كان ناعما وهادئا منذ أعلن الرئيس قيس سعيد عن إجراءات 25 يوليو 2021 برزت الرقابة حين حظر المعارضون نهائيا في برامج المؤسسات الإعلامية العمومية التلفزة والإذاعة كما تتالت مختلف الممارسات الرقابية منذ صعود سعيد إلى سدة الحكم رغم أن دستور 2022 يعيد تقريبا التنصيص على ما ورد في الدستور الأسبق حين امتدت يد الرقيب إلى معرض تونس الدولي للكتاب خصوصا في آخر دوراته تقدم مختلف الفرق التي تداولت على المعرض حججا عديدة لمنع تلك الكتب الدعوة إلى الكراهية وتمجيد الإرهاب والإساءة إلى الأخلاق والآداب حتى يحظى الرقيب بمشروعية في كل ما يعمد إليه من أعمال المنع والحجب يقدم نفسه عادة الحارس الملاك لفضائل الشعب الممكنة كلها لم تثر تلك الممارسات ردات فعل صارمة لاعتبارات عدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو أيديولوجي غير أن البيان الذي أصدره المسرحي المرموق فاضل الجعايبي أخيرا يعيد دق ناقوس الخطر في ظل اتهامات بأن مسرحيته آخر البحر تعرضت إلى منع عرضها من إدارة المهرجان الدولي في الحمامات وللمفارقة كان الجعايبي من أوائل المثقفين الذي ساندوا انقلاب 25 يوليو في بيان صدر أياما قليلة بعده حتى يحظى الرقيب بمشروعية في كل ما يعمد إليه من أعمال المنع والحجب تلك يقدم نفسه عادة الحارس الملاك لفضائل الشعب الممكنة كلها والساتر الأكبر لحيائه من الخدوشات المهددة له هذه المرة تقدم الرقابة الشعبوية نفسها على أساس أنها حارس شرف الأمة التونسية وهيبتها يستغل بعضهم رقصة معجبة تونسية على ركح مسرح مهرجان قرطاج مع أحد الفنانين اللبنانيين لطلب مزيد من الرقابة على الأعمال الثقافية حفظا لصورة تونس ويبدو أن هذا النداء يجد له آذانا صاغية في أعلى السلطة