تهريب المسرح خارج الرقابة البعثية أقبية صارت فضاءات عرض بديلة
٣٢ مشاهدة
كان على أعضاء تجمع هيك الفني أن يحسموا أمرهم في ذلك اليوم من عام 2021 وأن يقوموا بتهريب عرضهم المسرحي إلى داخل بيت في متاهة الحارات الدمشقية هناك اجتمعت ثلاث ممثلات بالمخرجة فرح الدبيات التي بادرت بدورها إلى تحذير الجمهور من فتح أبواب البيت لأي شخص وتحت أي ظرف كان حمل العرض عنوان مسرحية وشكل تواطؤا بين الجمهور والقائمين عليه قبل أن يكون بمثابة بيان احتجاج على تعذيب النساء المعتقلات واغتصابهن في سجون النظام مثل هذه التجارب كان عليها أن تنمو باطراد خارج أسوار المؤسسات الرسمية وبعيدا عن أعين العسس الثقافي سنوات الثورة السورية الطويلة أسهمت في إنضاج تلك الحركة السرية لمسرحيين ومسرحيات رفضوا الخضوع للوائح وقائمة ممنوعات مديرية المسارح والموسيقى فشكلوا اللوبي الخاص بهم وتنادوا مرة تلو الأخرى لتحقيق تجاربهم في بيوت قديمة ومعاصر زيتون وأقبية وفنادق وأنفاق ومعامل وحدائق عامة أحد أبرز تلك التجارب أنجزها المخرج أسامة غنم مع فرقة مختبر دمشق المسرحي عبر سلسلة من العروض التي بدأها عام 2010 مع عرض حدث ذلك غدا والذي قدم وقتها داخل محمصة مهجورة في حي مئذنة الشحم بالبلدة القديمة ولعب بطولة العرض كل من أمل عمران ومحمد آل رشي في 2013 عاود غنم الكرة بمسرحية العودة إلى البيت عن نص لهارولد بنتر العنف وانهيار القيم العائلية في ظل سطوة النظام القمعي تجلى في العرض الذي قدم حينها في قبو أحد فنادق العاصمة السورية حركة مسرحية سرية أنضجتها سنوات الثورة كان على الجمهور أن يتجمع في نقطة معينة وبعدها يقوم شاب وصبية من الفريق الإداري للمختبر بدور دليل صامت إلى مكان الفرجة كل شيء كان يتم بهدوء وبلا جلبة وكان المتفرجون يأخذون أماكنهم في مساحة ضيقة تكاد تتلاقى فيها وجوههم مع وجوه الممثلين كانت أنفاس الجمهور والمتفرجين تشكل دفئا خاصا في الأمسيات الباردة فالأماكن البديلة للريبرتوار السوري لم تنشأ فقط بغية الخروج من مسارح العلبة الإيطالية بل كانت طبيعة هذه التجارب تفرض نوعا من الانتقائية لأفراد الجمهور المستهدف والابتعاد ما أمكن عن أعين الاستخبارات والرقابة إذ دأبت تلك العروض على خرق المحظور في المسارح الرسمية وإتاحة النقاش حول فظائع السلطة الحاكمة وأساليبها الوحشية تهريب العروض المسرحية لم يكن جديدا فقد بدأ قبل سنوات من اندلاع الثورة السورية وآثر بعض المسرحيين الابتعاد والتخفي عن أعين مخابرات الأسد وكتبة التقارير الأمنية ففضلوا الأماكن الجانبية والهامشية لتقديم عروضهم كما كان الحال مع تجمع كون للمخرج أسامة حلال والذي قدم عرضه جثة على الرصيف في نفق باب شرقي في دمشق عام 2007 موظفا المكان لصالح حكاية العرض تماما كما فعل المخرج وليد قوتلي في مسرحيته بانتظار البرابرة 2010 إذ قدمت هذه التجربة في ساحة صغيرة بحي المزة الدمشقي واعتمد قوتلي في العرض على مسرحة نص شاعر الإسكندرية قسطنطين كافافيس تباعا صارت العروض المهربة تقليدا عند العديد من المسرحيين السوريين فقدمت آنا عكاش عبر مشروعها مراية أكثر من عرض في هذا السياق في أحد الأديرة ومثلها فعلت رنا كرم عام 2018 في عرضها الحركي جفون الذي قدمته في مقر النادي العربي بدمشق تجربة حاكت فيها ما حققته الفنانة نورا مراد في تجمع ليش الذي فتح الأبواب أمام هذا النوع من العروض إذ اقترحت مراد أكثر من تجربة في هذا السياق ومنها ألف مبروك الذي عرض عام 2009 في سراديب قلعة دمشق وإذا ماتوا انتبهوا الذي عرض عام 2010 في قبو غاليري مصطفى علي في حارة اليهود الدمشقية تهريب العروض المسرحية واصل مسيرته بحذر شديد لا سيما بعد اعتقال الفنان زكي كورديللو وابنه في الأسابيع الأولى من الثورة لا يزال مصيرهما مجهولا إلى اليوم إذ قدم المخرج سامر عمران العديد من التجارب التي كان قد بدأها عام 2008 بعرض المهاجران الذي قدمه في ملجأ حربي بحي القزاز في دمشق شكل هذا العرض صدمة للكثيرين حينها لناحية جرأته في تناول واقع السوريين في المنفى فقد اقترح معالجة فنية مغايرة للسائد في عروض المسارح القومية هذه التجربة حفزت الكثيرين على محاكاتها ولعل أبرز تلك المحاولات تجلت في عرض نبوءة الذي قدم في حمام الشام الأثري ولعبت بطولته الممثلة ربى الحجلي عن نص ملحمة السراب لسعد الله ونوس إضافة إلى تجارب أشرف عليها وأخرجها الفنان الحمصي سمير عثمان الباش ضمن مشروع مدرسة الفن المسرحي تأسست هذه الأكاديمية البديلة عام 2009 في أحد الأبنية المتاخمة لمحطة الحجاز في دمشق ثم انتلقت إلى ريف دمشق وخلال هذه الفترة قدمت العشرات من العروض بهدوء وصمت فوق خشبة في أحد الأقبية بمدينة جرمانا ريف دمشق حيث كانت توجه من هناك دعوات شخصية لجمهور لم يكن يتجاوز عدده ثلاثين متفرجا من التجارب البارزة في هذا السياق مسرحية درس قاسي 2019 التي تعرض فيها الباش لبنية العنف السادي لدى النظام فعبر تمرين نفسي بين طالبة وأستاذ جامعي وممثلة كشف الأكاديمي السوري أثر طاعة الأوامر على منفذي المجازر والتعذيب في المعتقلات تماما كما فعل في عرضه أكاديمية الضحك 2022 الذي تناول فيه أساليب الرقابة المسبقة على النصوص في دوائر المخابرات إذ شرح عبر أسلوب ساخر بنية هذه الرقابة وعماء موظفيها وبلاهتهم وصولا إلى تفكيك عقلية الرقيب الأسدي ومحاولة هذا الأخير تدجين الكاتب وترويضه كاتب وصحافي سوري