تشتبك الممثلة الجزائرية بيونة 1952 مع أدوارها السينمائية بعمق هذا تعكسه أساسا في تحولاتها الفيزيائية والجسدية فيصبح الدور بالنسبة إليها لا شخصية عابرة ولا فقرة في فيلم خيالي بل حقيقة ظاهرة وواقعية تمحو بها الكلمات الجاهزة التي يطلقها المشاهد المتذمر عادة بقوله إن ما تقوم به مجرد تمثيل أو تجعله يكرهها لأنها شريرة في دور ما تستحق عليه القتل والسحق والانتقام أو يقدرها لأنه أحب شخصيتها ورآها تتوحد معها يلعنها مرات لأنها أقنعته بأنها بائعة هوى قس على ذلك في شخصيات وأدوار أخرى استطاعت بلوغ هذا المستوى من المسؤولية الفنية انطلاقا من جديتها وحبها لمهنتها واحترامها الجمهور الجزائري وكل من يحب الأفلام ويشاهدها في العالم اشتهرت باية بوزار اسمها الحقيقي بتسمية بيونة تصغير باية ككنية محبة أطلقته عليها أسرتها هذا الاسم السينمائي يظهر مجددا ولو جزئيا بعد تكريم أعضاء جمعية قدماء الثقافة والإعلام لها 20 يونيو حزيران 2024 بمنحها وسام الاستحقاق والتميز نظير ما قدمته للسينما والفن عامة وتكريما لمسار أكثر من نصف قرن من العمل بدايتها التمثيلية حاصلة في دور فاطمة في المسلسل الجزائري الأشهر الحريق 1974 لمصطفى بديع انطلاقا من نص أدبي للكاتب محمد ديب قبله نشطت بيونة في الطرب مغنية مالوف تحيي أعراسا وحفلات لكن مشاركتها في الحريق غيرت بوصلتها جديا فبدأ التمثيل بالنسبة إليها يتحول من شيء ثانوي إلى عامل أساسي في حياتها لذا فإن مشاركتها في السينما قوية مع بدايات مهمة منذ ليلى والأخريات 1977 لسيد علي مازيف بعدها دخلت بيونة التلفزيون والسينما من أوسع الأبواب مع الوقت أصبحت نجمة التلفزيون الأولى في الجزائر بفضل أدوار كوميدية أدتها حتى أنها تحولت إلى عامل نجاح لأي مسلسل أو سيت كوم أو سلسلة تشارك فيها لكن رغم تلك الأضواء التلفزيونية تبقى الأفلام عشقها الأول لأن السينما فن جعلها تتحرر من كل القيود الجسدية والنفسية فلم تضع حدودا مسبقة لأي دور تؤديه أكان للفيلم محمول ودلالة سياسيان أو بأدوار جريئة في أفلام عدة شكلت الشراكة الفنية بينها ممثلة ونذير مخناش مخرجا سينمائيا جزائريا مغتربا قفزة نوعية وهائلة في مساريهما كما في المدونة السينمائية الجزائرية فمخناش لعب دورا محوريا في هذه الشراكة إذ أحسن إدارتها سينمائيا في ثلاثيته التي صنعت فارقا وأسست لسينما مختلفة بدءا من حريم السيدة عصمان 2000 ثم فيفا لالجيري 2004 ودليس بالوما 2007 أفلام ملغمة برسائل سياسية قاسية نقلت أوجاع العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر في الأول عكست بيونة أوجاع المرأة التي فقدت زوجها في تلك المرحلة الدموية ما جعلها تعيش وضعا نفسيا صعبا أثر على ابنتها ثم أدت دور مدام ألجريا التي سجنت ثلاثة أعوام ومع خروجها أصبحت تحل مشاكل شخصيات مهمة عدة بدءا من العلاقات التي تملكها عكست هذه الشخصية الفساد السياسي الذي بلغته الجزائر في عهد الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة أنتج الفيلم في عهده امتلأ العمل بتلك الرسائل إلى حد أنه تم منعه في الجزائر بطريقة غير مباشرة جرأة بيونة لم تنته في الثلاثية بل تعدتها إلى أفلام أخرى كالجزائري الممنوع من العرض أيضا في عمري ما زلت أختبأ لأدخن 2016 لريحانة أحد الأفلام الجريئة جدا الذي عكس معاناة المرأة الجزائرية في العشرية السوداء في حوار معها قالت ريحانة إن ممثلات عديدات رفضن التمثيل فيه خوفا على مصيرهن في بلدهن ما دفعها إلى تصويره في اليونان لم تكن الساحتان السينمائية والتلفزيونية الجزائريتان فضاء وحيدا انعكس فيه المجهود الفتي لبيونة إذ امتد هذا الإشعاع إلى أعمال في دول أوروبية عدة خاصة فرنسا لذا فإن حضورها بارز في المشهد الفني الفرنسي عين النساء 2011 للفرنسي الروماني رادو ميهالينو المشارك في الدورة الـ64 11 ـ 22 مايو أيار 2011 لمهرجان كان والشابة لويزة 2013 للفرنسية فرنسواز شاربيا إضافة إلى عشرات الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية تنعكس قوة بيونة في تلاعبها وتمكنها من التمثيل إذ يمكنها تأدية أي شخصية بمقدرة أي أنها لا تلزم نفسها بشكل تمثيلي واحد لهذا تتلاعب بالأدوار الكوميدية والدرامية والتراجيدية وحتى أدوار شخصيات الشر والرعب بكل سهولة تتنقل من حالة نفسية إلى أخرى من دون تعقيد وهذا جعلها ممثلة كبيرة تتأقلم مع أي دور ـ شخصية من دون بذل مجهود ظاهر يمكن أن يذهب بمصداقيتها بالتالي بإمكانها أن ترسم وتشتبك مع أدوارها بكل حرفية وأن تتواصل بها مع جمهورها وهذا ربما يعود إلى الخلفية الفنية التي تمتلكها إذ تنقلت بين الغناء والعزف وتسيير الفرق الفنية والاحتكاك المتواصل بالتلفزيون والسينما والمسرح ما جعلها تمتلك أدوات كل فن وإمكاناته إضافة الى احتكاكها بممثلين محليين وأجانب بشكل مستمر هذه معطيات ساهمت في تراكم خبراتها وتكوين شخصيتها الفنية لتكون بتلك المقدرة الفنية التي جعلتها فنانة من الصف الأول