في يوم موحش لا يشق له غبار مصحوبا برياح هبوة مساء العاشر من يونيو حزيران صيف سنة 2014 حيث تبدو الأجواء العامة في مدينة تكريت العراقية قاتمة ومقبضة بان الفزع على وجوه السكان في أثناء إعلان القوات الأمنية العراقية حظرا شاملا للتجوال ببيان ألقته عبر المكبرات بصوت مشحون بالتحذير بدأت المتاجر بإغلاق أبوابها وهرع المواطنون إلى منازلهم مع انتشار كثيف لعناصر الأجهزة الأمنية وعجلات عسكرية لقوات جهاز مكافحة الإرهاب في الشوارع الرئيسة وقرب الدوائر الحكومية عسعس الليل بسرعة وأدبر وعيون السكان شاخصة نحو ما ستحمله الساعات المقبلة من أحداث صحا المواطنون في المدينة بمحافظة صلاح الدين شمال بغداد على أحداث مأساوية ستظل محفورة في ذاكرة العراقيين والعالم بعد انسحاب الأجهزة الأمنية حيث سيطرة تنظيم داعش على المدينة وما تلاها بما عرف بـمجزرة قاعدة سبايكر الجوية أسفرت عن مقتل حوالي 1700 جندي عراقي حققت العديد من الجهات الحكومية والدولية بالأمر وآخرها التقرير الذي صدر عن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة يونيتاد بعنوان معسكر سبايكر نمط القتل الجماعي ونية الإبادة الجماعية حيث سعى إلى تسليط الضوء على هذه الأحداث لكنه ترك العديد من الأسئلة المهمة دون إجابة هذا المقال يسعى إلى البحث في الحقائق المغيبة ودور الجهات السياسية والأمنية في سقوط تكريت والكارثة التي حلت في سبايكر سقوط تكريت لغز الانهيار الأمني كانت تكريت إحدى المدن الرئيسة التي سقطت بسرعة مذهلة في أيدي تنظيم داعش كان الطريق إلى السيطرة الكاملة على المدينة مفروشا بالفوضى الأمنية والارتباك حيث اختفت القوات الأمنية على نحو مفاجئ وغير متوقع تاركة المدينة وسكانها بلا حماية تكريت كغيرها من المدن العراقية كانت تعاني توترات سياسية وأمنية منذ سقوط النظام السابق سنة 2003 كانت تشهد توترات أمنية وسياسية معقدة مما جعلها هدفا سهلا للجماعات المتطرفة التي استغلت هذا الفراغ الأمني وفقا للتقرير لم توجه اتهامات مباشرة لجهات سياسية أو عسكرية محددة لكن من الواضح أن هناك تواطؤا أو على الأقل إهمالا جسيما من قبل الجهات المسؤولة عن أمن المدينة الأحزاب السياسية المتنازعة والانقسامات داخل الأجهزة الأمنية أسهمت في انهيار النظام الأمني بسرعة لماذا تركت القوات الأمنية المدينة أحد أكثر الأسئلة إثارة للجدل هو لماذا انسحبت القوات الأمنية من تكريت تشير بعض التقارير إلى أن القوات الأمنية كانت تفتقر إلى القيادة والتوجيه الواضح بينما يشير آخرون إلى أن الفساد والإهمال داخل الأجهزة الأمنية أدى دورا كبيرا في هذا الانسحاب غير المنظم في لحظات حاسمة بدا أن القوات الأمنية فقدت الروح القتالية ربما نتيجة لعدم الثقة بالقادة على الرغم من معرفة القيادات العسكرية والسياسية في المحافظة بالخطر القادم صوب مدينتهم وفرضهم لإجراءات أمنية مشددة إلا أنهم انسحبوا من المدينة وفر بعضهم بملابس مدنية واختفت هذه القوات المدججة بالسلاح بين ليلة وضحاها مجزرة سبايكر الشهادات والحقائق قاعدة سبايكر الجوية عملاقة الحجم ومحصنة بعدة طبقات أمنية قبل العاشر من يونيو كان يتمركز فيها عدة وحدات عسكرية مدربة ومسلحة من الجيش والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب من ضمنهم 1300 متدرب ومتطوع أشار التقرير الأممي إلى أن الفوضى انتشرت في أرجاء القاعدة على إثر سيطرة عناصر داعش على المدينة مما دفع عددا من الضباط ذوي الرتب العليا إلى مغادرة مواقعهم من دون أوامر عسكرية ونصحوا من كان بالقاعدة بتبديل زيهم الرسمي بالمدني ومغادرتها نتيجة لذلك بتاريخ 11 و12 من الشهر نفسه بدأت الهجرة الجماعية من القاعدة حيث فر نحو 2500 عنصر من القاعدة تمكن على إثرها عناصر داعش من اعتقال وقتل نحو 1700 منهم في غضون أيام قليلة قام عناصر التنظيم بإعدام مئات الجنود بدم بارد في مجمع القصور الرئاسية في تكريت عملية الإعدام الجماعية كانت ممنهجة ووثقت بالفيديوهات مما يعكس مدى القسوة والتخطيط الذي رافق هذه العملية الجثث ألقيت في نهر دجلة أو دفنت في مقابر جماعية في مشهد يعكس أقصى درجات الوحشية وعلى الرغم من أن التقرير الأممي أشار إلى أن ضباطا كبارا انسحبوا من مواقعهم من دون أوامر عسكرية إلا أنه لم يشر إلى أي جهات متورطة بالأمر سواء بالإهمال أو عصيان الأوامر العسكرية حيث اكتفى التقرير بذكر هذه المعلومات من دون ذكر أسماء الضباط الكبار الذين دفعوا الجنود والمتدربين إلى حتفهم رغم عدم وجود أوامر عسكرية إلى الوحدات بالانسحاب هناك علامات استفهام حول سبب عدم وجود دعم جوي أو عمليات إنقاذ أو إمدادات إضافية للجنود المحاصرين رغم استمرار عمليات القتل للجنود الفارين نحو 3 أيام هل كان هناك إهمال أم تواطؤ هل كانت هناك أخطاء تكتيكية جسيمة الأسئلة تظل مفتوحة ولم يقدم التقرير إجابات شافية نقص الشمولية في جمع الأدلة رغم الجهود المبذولة يعاني التقرير الأممي من نقص الشمولية في جمع الأدلة حيث اكتفى بالتقييم القانوني لجرائم داعش والشهادات المتوفرة تعتمد إلى حد بعيد على الناجين والشهود مما قد يترك بعض الجوانب غير مغطاة بالكامل حيث ركز بشكل كبير على الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش لكنه تجاهل إلى حد ما الظروف التي أدت إلى الإخفاق الأمني والعسكري ولم يسم الجهات السياسية والعسكرية المقصرة عن حماية المدينة فهم هذه الظروف ضروري للحصول على صورة كاملة للأحداث المعيار المستخدم في التقرير هو أسس معقولة للاعتقاد وهو معيار قد لا يكون بنفس صرامة المعايير القضائية مما يثير تساؤلات حول قوة الأدلة والنتائج المستخلصة كيف يمكن للمواطن أن يثق بأصحاب القرار على أمنه في ظل استمرار نفس القيادات العسكرية والأمنية السابقة في مناصبها وبقاء الوجوه السياسية والحزبية التي تتحكم في القرارات الأمنية بالمحافظة عدم المحاسبة والمطالبة بمحاكمة المقصرين يبقي الوضع كما هو عليه مما يعزز مناخ عدم المساءلة والإفلات من العقاب إحداث تغيير حقيقي يتطلب الشجاعة لتحديد المشاكل وتسميتها بجلاء واتخاذ خطوات جريئة لمعالجتها فقط من خلال مواجهة الحقائق بجرأة يمكننا أن نأمل تحقيق العدالة ومنع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل سقوط تكريت وما تلاه من أحداث مجزرة سبايكر كشف عن مشكلات عميقة في النظام الأمني والسياسي في العراق وسلط الضوء على إخفاق القيادات العسكرية والأمنية والسياسية في حماية منتسبيها والمواطنين كيف يمكن تصور سقوط مدينة تتمركز فيها فرقة عسكرية وثلاثة ألوية عسكرية وفوجان من الجيش بالإضافة إلى قوات عمليات صلاح الدين وقوات قيادة الشرطة ومكافحة الإرهاب أمام نحو 150 مسلحا في نهاية المطاف ترك معظم هؤلاء الجنود وقادتهم بمن فيهم دوريات الشرطة وأفراد نقاط التفتيش مواقعهم وارتدوا ملابس مدنية وتركوا المدينة وسكانها العزل أسرى