اعتاد أحد الباحثين السوريين أن يوجه اتهاما متكررا لأي رواية سورية يلاحظ أنها اتبعت أسلوب البناء الخطي للزمن أي بدأت من لحظة الفعل واتجهت به تصاعديا إلى أن تنتهي به في الخاتمة التي ستكون زمنيا لاحقة بزمن البدايات وهي كتابة تشابه الواقع نفسه الذي يسير مثل النهر دون أن يستدير ويتوقف بأنها رواية تقليدية والاتهام يتضمن فكرة مسبقة يمكن أن يستنتج منها القارئ أن الرواية فاشلة ورجعية ومتخلفة وإلى ما هنالك من احتمالات لا حصر لها يمكن أن تلحق بكلمة تقليدي الكلام عن الحداثة في الرواية والقصة والمسرح وعن الواقعية والسريالية وغيرها هو كلام عن المؤثرات الأجنبية في الأدب وهناك ما يشبه الاعتراف بأن نشأة الأدب العربي كله تمت بفضل الاتصال بتلك المؤثرات والحقيقة هي أن الغموض يلف مصطلح التقليدي والحديث فالرواية العربية نشأت عبر علاقة التأثر بالرواية الأوروبية أولا وإذا ما عدنا بالزمن فإن لائحة أسماء المؤثرين الأجانب تتضمن كتابا مثل فلوبير وهوغو وبلزاك وديكنز وتوماس هاردي ومارك توين وهرمان ملفل وغيرهم من المشاهير في عالم الرواية وبحسب الاتهام فإن الكاتب العربي المتأثر بأساليبهم وتقنيات الكتابة لديهم هو الكاتب التقليدي اعتدنا أن نرفض الأفكار ونرضخ للتقنيات أو نأخذ التقنيات دون الفكرة أما الحديث فيتضمن الرواية الجديدة في فرنسا وصموئيل بيكيت وجيمس جويس واللافت هو أن الرواية العربية في جميع مراحلها وعبر كتابها البارزين تأثرت وتتلمذت على نهج الكتاب الروائيين الأوائل بينما لا يظهر تأثير جويس أو مارسيل بروست أو بيكيت إلا في بضع روايات وبضع مسرحيات ليس هذا دفاعا عن التقليدي بل رد للتهمة إذ إن الناقد لا ينظر بحسب حيثيات تهمته إلا إلى التقنيات دون التفكير في بقية العناصر التي تسهم في منح الرواية أي رواية انتماءها إلى هذا النوع الأدبي والأمر نفسه ينطبق على المسرح أيضا تطرح هذه المسألة قضية العلاقة بين الواقع والتقنيات وقد يكون انتقال تقنيات الكتابة هو الأشد غموضا وصعوبة وتعقيدا في إظهار هذه العلاقة ففي الصناعة والزراعة والتجارة وعالم الإلكترونيات يمكن تدارك الأمر بالتعليم والتدريب غير أن التدريب في الكتابة لا نفع منه وإتقان الكتابة بحسب الطريقة التي يكتب بها روب غرييه مثلا لن تضيف أي قيمة إلى الرواية ولن تفيد النوع الأدبي إذ إنها ستظل محشورة في نطاق النسخ ولكن نكاد لا نعدم دراسة واحدة تتناول بشكل تجريبي المجال الذي يستطيع المجتمع من خلاله تقبل التقنيات أو رفضها فقد اعتدنا أن نرفض الأفكار ونرضخ للتقنيات أو نأخذ التقنيات بدون الفكرة التي أنجبتها ولكن السؤال عن الزمن الذي تحتاجه المؤثرات التقنية كي تستقر وتندمج في الثقافة وتنفي عنها صفة الأجنبي لا يزال غامضا أو لم يدرس بعد لمعرفة الكيفيات التي تنتقل بها التقنيات المختلفة من فكر إلى فكر آخر أو من ثقافة إلى ثقافة كما أن السؤال عن التقليدي والحداثي في المجال الإبداعي لا يقدم أي قيمة معنوية لأي رواية إذ يمكن للتقنيات الحديثة أن تكون بلا معنى كما يمكن للتقنيات التقليدية أن تحمي قيمة روائية خالدة والعكس صحيح أيضا روائي من سورية