مع اقتراب حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة من إنهاء عامها الأول ومع تواصل المجازر اليومية في القطاع صدر تقرير جديد يتهم هيئة الإذاعة البريطانية BBC بـالانحياز واسع النطاق ضد إسرائيل وانتهاك المبادئ التوجيهية التحريرية مرات عدة في تغطية العدوان على غزة ادعى التقرير وعنوانه تقرير أسيرسون 199 صفحة ــ غطى الأشهر الأربعة الأولى للحرب أنه في تحليل لعينة عشوائية شملت 253 مقابلة أجرتها خدمة BBC بنسختها العربية تبين أن أكثر من ربع المقابلات كانت مرتبطة بحركة حماس أو جماعة إرهابية أخرى أو لأشخاص نشروا آراء معادية للسامية بشكل متطرف عبر الإنترنت كذلك تضمن التقرير مثلا رصدا للصور المستخدمة من قبل الهيئة فأي صورة لمقاتلي كتائب القسام اعتبرت مسيئة ولم يخل تحليل المحتوى هذا من تحريض على صحافيين في الخدمة العربية أبرزهم الصحافيون الذين أعدوا في 12 و14 مارس آذار الماضي تحقيقا على جزأين عن الأوضاع في مستشفى ناصر في غزة الجزء الأول حمل عنوان طاقم مجمع ناصر الطبي يروي لبي بي سي تعرضه للإذلال من قبل القوات الإسرائيلية بينما كان عنوان الجزء الثاني عن الخوف وأزيز الرصاص في مستشفى ناصر قبل اقتحام الجيش الإسرائيلي له الصحافيون الذين ذكرت أسماؤهم في تقرير أسيرسون هم ماري ــ جوزيه القزي وسهى إبراهيم ومعاذ الخطيب وبطريقة واضحة ومنهجية صنف التقرير كل الضيوف الذين استقبلتهم الشبكة وانتقدوا الإبادة الجماعية في غزة بأنهم محرضون على إسرائيل تحليل المحتوى اعتمد في تجميع المعلومات على تقنيات الذكاء الاصطناعي وأعده المحامي البريطاني المقيم في القدس المحتلة تريفور أسيرسون وركز بشكل أساسي على ما قدمته الخدمة العربية في بي بي سي منذ بدء حرب الإبادة في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي ولعل ما يجعل تقرير أسيرسون بلا أي قيمة مهنية هو عدم استناده بشكل أساسي إلى أدلة أو محتوى فعلي يكشف انحياز BBC إلى الرواية الفلسطينية في وجه السردية الإسرائيلية بل إن الأمثلة التي يسردها التحقيق على طول الصفحات مجرد انطباعات وتحليلات شخصية لصاحب التقرير حول المحتوى المنشور في بي بي سي بين شهري أكتوبر ويناير كانون الثاني الماضيين كافتراض أن استقبال البروفيسور الغزي غسان أبو ستة يؤجج معاداة السامية بسبب مواقفه التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي من هو تريفور أسيرسون معد التقرير الذي سمي على اسمه هو تريفور أسيرسون محام بريطاني ولد في لندن عام 1953 وانتقل إلى فلسطين المحتلة عام 1990 وتدرب في مكتب هرتسوغ وفوكس ونيمان للمحاماة وهو المكتب الذي شارك في تأسيسه الرئيس الإسرائيلي الحالي إسحق هرتسوغ الذي عمد منذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة إلى نزع الإنسانية عن الفلسطينيين في قطاع غزة في تصريحه الشهير الأمة كاملة الفلسطينيون في غزة تتحمل المسؤولية عما جرى أثناء هجوم حماس وليس صحيحا القول إن المدنيين في غزة غير ضالعين في الأمر كان بإمكانهم الانتفاض ومحاربة حماس عام 2000 وهو عام تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي اختار أسيرسون التركيز بشكل أساسي على تغطية بي بي سي للشأن الإسرائيلي فأسس مرصد BBCWatch يعمل المرصد بشكل أساسي على تحليل تغطية وسائل الإعلام التابعة لـ بي بي سي للتطورات في الشرق الأوسط وبين عامي 2000 و2006 نشر ست دراسات تزعم أن تغطيتها تتسم بالتحيز المنهجي ضد إسرائيل والكراهية الواسعة تجاه إسرائيل ونتيجة لهذه الضغوط خلقت هيئة الإذاعة البريطانية وظيفة تحريرية تقدم المشورة بشأن تغطيتها للشرق الأوسط أما حاليا فأسس Campaign For Media Standards الذي نشر عبر موقعه الإلكتروني التقرير الأخير تقرير أسيرسون توقيت تقرير حول BBC جاء نشر التقرير بعد أيام قليلة من بث هيئة الإذاعة البريطانية تحقيقا طويلا بعنوان Settlements Above the Law بالعربية عنوانه المستوطنون المتطرفون يستولون على أراضي الضفة الغربية 59 دقيقة عن استيلاء المستوطنين على أراضي الفلسطينيين في الضفة 321 ألف مشاهدة في أسبوع ليعيد الغضب الإسرائيلي من الهيئة إلى أوجه كذلك رافقت نشر التقرير حملة تحريض واسعة من جماعات المراقبة والضغط الإسرائيلية حول العالم خصوصا منظمة كاميرا بفرعها البريطاني إذ أعادت التحريض على الصحافيين الذين أوقفوا عن العمل مع بداية الحرب بحجة نشاط متعاطف مع 7 أكتوبر على مواقع التواصل الاجتماعي أبرزهم سناء الخوري ومحمود شليب وسالي نبيل وسلمى خطاب كما هاجمت صحافيين آخرين بينهم سهى إبراهيم علما أن الصحافية المصرية سالي نبيل سبق أن خضعت لتحقيق ثان في بي بي سي بسبب إعجابها بتقرير تركي عن شراء مستثمرين يهود منازل في قبرص كذلك صدر تقرير أسيرسون بعد أسابيع من تعيين جوناثان مونرو بدل اللبنانية ــ البريطانية ليليان لاندور مديرا لخدمة بي بي سي نيوز العالمية ومونرو هو نفسه الذي قال في مارس آذار الماضي قبل تعيينه إن الطبيعة غير المتكافئة للحرب جعلت من الصعب تغطية ما يحصل بشكل محايد مضيفا أن تحقيق التوازن يمكن أن يكون صعبا على فرق الأخبار في بي بي سي عندما لا يسمح لهم بالوجود على الأرض في غزة اتهامات BBC بالانحياز يبدو اتهام هيئة الإذاعة البريطانية بنشر محتوى معاد لإسرائيل مضحكا أو غير جدي خصوصا أن الهيئة التزمت في الأشهر الأولى من الحرب بالرواية الإسرائيلية ما أدى إلى استقالة مراسلها في تونس بسام بونني وكتابة موظفين في الخدمتين العالمية والعربية عشرات الرسائل ضد تغطية عدد من المجازر التي ارتكبها الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة كذلك حتى الساعة لم تتخذ BBC أي إجراءات ضد الصحافيين الإسرائيليين أو الغربيين المناصرين لإسرائيل رغم نشرهم تغريدات ومنشورات داعمة لجيش الاحتلال ورغم مفاخرتهم بعلاقاتهم بضباط إسرائيليين نذكر على سبيل المثال محرر الفيديو في مكتب الهيئة في فلسطين المحتلة مايكل شوفال أو حتى مدير الشرق الأوسط في الموقع الإنكليزي رافي بيرغ الذي نشر طيلة سنوات صورا وتغريدات يحتفي فيها بعلاقاته بسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين هذه المعايير المزدوجة في التعامل مع الصحافيين العرب مقارنة بالتعامل مع الصحافيين الإسرائيليين أدت إلى ولادة حركات احتجاجية داخل مكاتب مختلفة في الهيئة خصوصا في ظل التحذير من تورط الهيئة في تغطيتها بتبرير المجازر التي يرتكبها الاحتلال بطريقة أو بأخرى وهو الاحتجاج الذي لا يزال متواصلا ويتخذ أشكالا عدة بينها شكاوى مباشرة للإدارة أو رسائل جماعية إلى هيئة التحرير إلى جانب تواصل كل فريق مع إدارته التحريرية عند نشر أي محتوى منحاز للاحتلال أو ينزع إنسانية الفلسطينيين إلى جانب اعتراضات مباشرة وعلنية خلال اجتماعات التحرير والمطالبة بالتدقيق المهني بكل تغطية مرتبطة بحرب الإبادة ويشارك في هذه الاحتجاجات بطريقة غير مباشرة عدد من نجوم الهيئة وصحافييها الكبار والمخضرمين لكن بعيدا عن الأضواء وعن المواجهة المباشرة خوفا من ارتدادات هذه الاعتراضات عليهم