سام برس تفكيك المركزية الغربية قراءة في مشروع الاستغراب

بقلم/ الدكتور حسن العاصي
منذ قرون طويلة، ظلّ الغرب يحتل موقع “المركز” في الخريطة الفكرية للعالم، ليس فقط بوصفه قوة سياسية واقتصادية، بل باعتباره المرجعية العليا للمعرفة، والمعيار الذي تُقاس عليه الحضارات، والنموذج الذي يُفترض أن تتجه نحوه بقية الشعوب. هذا التمركز لم يكن مجرد نتيجة لتفوق مادي أو علمي، بل كان أيضاً بناءً رمزياً ومعرفياً تشكّل عبر خطاب طويل من التمثيلات، والتأويلات، والكتابات التي رسّخت صورة الغرب باعتباره “العقل” و“الحداثة” و“العالمية”، في مقابل شرق يُقدَّم غالباً كـ“آخر” تابع أو هامشي أو خارج التاريخ. في هذا السياق، ظهر مشروع الاستغراب بوصفه محاولة فكرية جريئة لإعادة النظر في هذه البنية غير المتوازنة، ولتفكيك ما يُسمّى بـ المركزية الغربية التي حكمت علاقة الشرق بالغرب عبر قرون من الهيمنة الرمزية.
إن الاستغراب، في جوهره، ليس مجرد ردّ فعل على الاستشراق، ولا هو مشروع انتقامي أو خطاب مضاد يسعى إلى قلب المعادلة فحسب، بل هو جهد معرفي يسعى إلى فهم الغرب من خارج ذاته؛ أي من منظور لا يخضع لسلطته الرمزية ولا لهيمنته الثقافية. إنه محاولة لاستعادة القدرة على النظر إلى الغرب بوصفه موضوعاً للدراسة والتحليل، تماماً كما فعل الغرب مع الشرق، ولكن دون الوقوع في فخ التعميم أو التشويه. فالاستغراب لا يهدف إلى إنتاج “غرب متخيّل” جديد، بل إلى تحرير المعرفة من أحادية المركز، وإعادة توزيع الضوء على خرائط الفكر بحيث لا يبقى الغرب هو المقياس الوحيد لما هو عقلاني، أو متقدم، أو إنساني.
تنبع أهمية هذا المشروع من كونه يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن للثقافات غير الغربية أن تفهم الغرب دون أن تقع تحت تأثير خطابه عن نفسه؟ هذا السؤال يفتح الباب أمام قراءة نقدية للحداثة الغربية، وللنموذج الليبرالي، وللفكر الفلسفي والسياسي الذي شكّل العالم الحديث. لكنه في الوقت نفسه يدعو إلى تجاوز ثنائية “نحن/هم”، وإلى بناء معرفة أكثر توازناً تقوم على الحوار لا على التبعية، وعلى النقد لا على الانبهار، وعلى الفهم لا على الاستلاب.
وفي زمن العولمة الرقمية، حيث تتدفق
ارسال الخبر الى: