تفكيك اقتصاد الضفة الغربية في مرحلة ما بعد الحرب
أفرز المسار الاقتصادي الفلسطيني منذ نشأته في ظلّ ترتيبات بروتوكول باريس بنيةً اقتصاديةً قائمةً على تدفقات مالية خارجية غير مستقرة، تخضع لشروط سياسية وإدارية يفرض الاحتلال مسارها. قاد هذا النمط إلى اقتصاد محدود الأدوات، يفتقر إلى القدرة على التدخل المستقل، وتغيب عنه إمكانية بلورة سياسات مالية ونقدية فاعلة، في ظلّ سيطرة خارجية مباشرة وغير مباشرة على آليات عمله، وعلى قنوات ارتباطه بالاقتصادين الإقليمي والدولي، مع ارتهان شبه كامل لاقتصاد الاحتلال، الذي يحتكر الموارد، ويتحكّم بإمكانيات التطوّر. ويُظهر تتبع مسار هذا الاقتصاد منذ تأسيس السلطة الفلسطينية أن ما تحقق خلال العقود الماضية لم يكن نتاج عملية تنمية فعلية، أو توسّع إنتاجي حقيقي، بل حصيلة تدفقات تمويلية ظرفية، ومصادر دخل مرتبطةٍ بسوق العمل الإسرائيلية، وهو ما أبقى الاقتصاد الفلسطيني يدور ضمن حلقة إعادة إنتاج التبعية، من دون أن ينجح في بناء قاعدة إنتاجية مستقلة قادرة على الاستمرار.
بعد الحرب، شهدت الضفّة الغربية واقعًا اقتصاديًا واجتماعيًا بالغ القسوة، في ظلّ سياسات إسرائيلية متعمّدة، تهدف إلى إعادة تشكيل البيئة المعيشية الفلسطينية بما يخدم فرض وقائع على الأرض، بما يشمل تقويض الحركة التجارية، وتعطيل الاستثمار، وإضعاف القطاعات الإنتاجية، وربط النشاط الاقتصادي بسقف التحكم العسكري والإداري الإسرائيلي. يتزامن ذلك مع تصعيد واسع في عمليات هدم البنى التحتية وتدميرها، وتصاعد اعتداءات المستوطنين، وفرض قيود مشدّدة على البناء، خاصّةً في المناطق المصنفة ج، بما يؤدي إلى خنق التوسّع العمراني، ورفع الكثافة السكانية داخل التجمعات الفلسطينية. يفرز هذا الواقع حالة ضغط متواصل، وعدم استقرار معيشي، تنتقل آثارها من الاقتصاد إلى البنية الاجتماعية ذاتها، وتعيد إنتاج الخوف وانعدام اليقين، وتخلق بيئةً طاردةً للسكان تدفع نحو الهجرة القسرية غير المعلنة، أو البقاء في ظروف معيشية مأساوية.
الأزمة النقدية في ظلّ التبعية المالية
ترافقت الحرب مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية بتقييد أو تعطيل العلاقات المصرفية مع المصارف الفلسطينية، وربط استمرارها بشروط أمنية، الأمر الذي انعكس فورًا على السيولة وحركة التجارة، وعلى قدرة المؤسسات والأسر على الوفاء بالتزاماتها. إذ يحدد الاحتلال سقفًا سنويًا لا
ارسال الخبر الى: