هل تغير نهج ترامب في التعامل مع الملف الإيراني
53 مشاهدة
كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أسابيع عن توجيهه رسالة خطية إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي مفادها أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران مطلقا بامتلاك سلاح نووي ومن ثم ليس أمامها سوى خيار واحد التفاوض مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق يضمن تحقيق هذا الهدف وخلال مدة لا تتجاوز الشهرين وإلا تعرضت لهجوم عسكري كاسح ولأن رسالته بدت أقرب ما تكون إلى إنذار منه إلى دعوة للتفاوض بحسن نية استنتج منها بعضهم أن الولايات المتحدة تمهد للدخول في صدام عسكري مع إيران وأن قرار الحرب ربما يكون قد اتخذ بالفعل وأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض أدت إلى تطابق الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني مع الموقف الإسرائيلي خصوصا مع موقف بنيامين نتنياهو على وجه التحديد ولأن التطورات اللاحقة في هذا الملف أخذت منحى مغايرا ضعفت معه احتمالات شن حرب أميركية على إيران فقد بدأت تطرح تساؤلات كثيرة عما إذا كان نهج ترامب في التعامل مع الملف النووي الإيراني تغير وأيضا بشأن الانعكاسات المحتملة لهذا التغيير على العلاقات الأميركية الإسرائيلية في فترة ولاية ترامب الثانية لم يفاجأ المراقبون كثيرا بتصريحات ترامب التي توعد فيها إيران بالويل والثبور وعظائم الأمور خصوصا أن مواقفه المتشددة تجاه إيران معروفة سلفا ولا تنطوي بالتالي على أي جديد لذا يمكن القول إن المفاجأة الحقيقية وقعت حين قرر ترامب بدء مفاوضات فعلية مع إيران من دون تشاور مسبق مع نتنياهو ولأنه أعلن بنفسه عن هذا القرار إبان وجود نتنياهو في البيت الأبيض فقد استنتج كثيرون أن ترامب استدعى رئيس الوزراء الإسرائيلي على عجل في زيارة للولايات المتحدة لم تكن مقرره ليطلعه خصيصا على هذا القرار الذي كان له وقع الصدمة على نتنياهو وقد لاحظ كثيرون أن المفاوضات الجارية حاليا بين الولايات المتحدة وإيران التي تلعب فيها عمان دور الوسيط تمضي بوتيرة متسارعة وتسير في اتجاه معاكس لما كان يأمله نتنياهو فقد بدأت هذه المفاوضات بالفعل يوم 12 إبريل نيسان الجاري وعقدت منها جولتان في مسقط وروما وتعقد اليوم 26 4 2025 جولة ثالثة تقرر أن تجرى بالتوازي معها جلسة مفاوضات مباشرة على مستوى الخبراء الفنيين ما يقطع بأنها دخلت مرحلة جديدة ربما تكون غير قابلة للانتكاس ومن ثم ليس من المستبعد أبدا أن تفضي إلى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني وهو ما يستحيل تصور حدوثه من دون موافقة أميركية على إلغاء العقوبات المفروضة على إيران بالكامل ونهائيا ظلت إدارة ترامب تصر حتى اللحظة الأخيرة على أن تأخذ مفاوضاتها مع إيران شكل المفاوضات المباشرة وأن يتسع جدول أعمالها ليشمل برنامج إيران التسليحي خصوصا ما يتصل منه بالبرنامج الصاروخي وتصنيع المسيرات وعلاقاتها الإقليمية خصوصا ما يتصل منها بالعلاقة مع فصائل المقاومة المسلحة في لبنان وفلسطين في المقابل أصرت إيران على أن تكون هذه المفاوضات غير مباشرة في البداية وألا تتحول إلى مفاوضات مباشرة إلا بعد ثبوت جدية إدارة ترامب وحسن نياتها وأن يقتصر جدول أعمالها على بند البرنامج النووي من دون استبعاد إمكانية التشاور في القضايا الإقليمية لاحقا خصوصا بعد التوصل إلى اتفاق غير قابل للفسخ حول البرنامج النووي وبعد إلغاء جميع العقوبات المفروضة عليها ولأن كفة المطالب والشروط الإيرانية هي التي رجحت بدليل أن المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران لا تزال غير مباشرة وتحرز تقدما ملحوظا في الوقت نفسه فقد بدأ نتنياهو يشعر بالقلق والأرجح أنه يفكر حاليا في كيفية العمل على إفشالها بكل الوسائل المتاحة يرى نتنياهو أن الفرصة أصبحت متاحة لتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية أميركية تؤدي ليس إلى تدمير منشآت إيران النووية فحسب وإنما إلى التخلص أيضا من نظامها السياسي مرة واحدة وإلى الأبد علاقة ترامب المميزة بنتنياهو وحرصه على المصالح الإسرائيلية لا يحتاجان دليلا فخلال فترة ولايته الأولى حقق ترامب لإسرائيل أكثر بكثير مما حلم به نتنياهو نفسه فقد اعترف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل إليها السفارة الأميركية واعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة ومارس ضغوطا مكثفة على دول عربية عديدة لحملها على تطبيع علاقاتها بإسرائيل من دون اشتراط قيام الدولة الفلسطينية أولا اتفاقات أبراهام وحاول تصفية القضية الفلسطينية نهائيا من خلال صفقة القرن التي لم يتح له ما يكفي من الوقت لفرضها أمرا واقعا ولا شك أن حماسه وانحيازه المطلق لإسرائيل لم يفترا بعد عودته إلى البيت الأبيض صحيح أنه ضغط على نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار في غزة قبل أن يدخل هو إلى البيت الأبيض اتفاق 19 1 2025 لكنه سمح لنتنياهو بالتحلل من هذا الاتفاق في نهاية المرحلة الأولى والعودة إلى القتال ما يبدو الآن جزءا من صفقة جرت آنذاك بين الرجلين بل ولم يتردد في منح نتنياهو كل ما يحتاج من وقت لمحاولة تحرير الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس بقوة السلاح ولو تطلب الأمر فتح بوابات جهنم على القطاع غير أن ترامب بدأ يكتشف أخيرا أن الأوضاع الداخلية والخارجية التي يواجهها في فترة ولايته الثانية تختلف كثيرا عن التي كانت قائمة في فترة ولايته الأولى ومن ثم تفرض عليه التعامل مع ملفات كثيرة منها الملف الإيراني بنهج مختلف ويبدو أن قراره الدخول في مفاوضات مع إيران من دون تشاور مسبق مع نتناهو يؤكد هذا المنحى فإيران لا تشكل بالنسبة لنتنياهو تهديدا محتملا فحسب بسبب برنامج نووي قد يتحول في أي لحظة إلى برنامج عسكري وإنما تشكل في الوقت نفسه تهديدا وجوديا لإسرائيل بسبب علاقاتها الإقليمية المتشعبة ومواقفها السياسية والأيديولوجية من المشروع الصهيوني لذا لا يقتصر هدف نتنياهو الأساسي على الرغبة في الحصول على ضمانات تتعلق بسلمية برنامج إيران النووي فحسب وإنما يعمل على تفكيك هذا البرنامج من أساسه وإجبار إيران على الانكفاء على نفسها وقطع علاقاتها بالقوى المناوئة لإسرائيل في المنطقة وهي أهداف يراها نتنياهو غير قابلة للتحقق إلا بتغيير النظام الإيراني نفسه ما يفسر محاولاته المتكررة لإقناع ترامب بأن إيران أصبحت في أضعف حالاتها خصوصا عقب الضربات الموجعة التي وجهت لحلفائها في المنطقة وسقوط نظام بشار الأسد في سورية وأن الفرصة أصبحت متاحة لتوجيه ضربة عسكرية مشتركة تؤدي ليس إلى تدمير منشآتها النووية فحسب وإنما إلى التخلص أيضا من نظامها السياسي مرة واحدة وإلى الأبد وإحلاله بنظام موال للغرب غير أن موافقة ترامب على الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع إيران تقتصر في المرحلة الحالية على برنامجها النووي تفيد بأنه بدأ يتعامل مع هذا الملف استنادا إلى رؤية وحسابات مختلفة عن رؤية نتنياهو وحساباته ما يوحي بأن الفجوة بين الرجلين بدأت تظهر بل ومرشحة للاتساع بمرور الوقت يتعامل ترامب مع الملف الإيراني استنادا إلى رؤية وحسابات مختلفة عن رؤية نتنياهو وحساباته لا يعني هذا التطور أبدا أن ترامب غير موقفه الداعم والمنحاز لإسرائيل بشكل مطلق وإنما يعني فقط أنه ربما يكون قد بدأ يغير من نظرته إلى سياسي منحه كل ما يحتاج من وقت لتحقيق أهدافهما المشتركة في الحرب على غزة خصوصا ما يتعلق منها بتدمير حماس وتحرير الأسرى غير أنه فشل في تحقيق أي منها بل بدأت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها تدرك عدم جدوى الاستمرار في الحرب وبدأت أسر الأسرى تدرك أن نتنياهو ليس عاجزا فحسب عن تحرير الأسرى وإنما أيضا يتلاعب بمصيرهم في الوقت نفسه ولحسابات شخصية لا علاقة لها بأمن إسرائيل ما يفسر تجاوز هذه الأسر نتنياهو وتوجيه رسائلها إلى ترامب مباشرة لمناشدته العمل على تحرير ذويهم ولو كان الثمن وقف الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة على صعيد آخر يدرك ترامب أن الحرب على إيران لن تكون نزهة ولا خاطفة ومن ثم قد تكون تكلفتها باهظة ليس بالنسبة للولايات المتحدة فحسب وإنما أيضا لحلفائها في المنطقة بمن فيهم إسرائيل نفسها ما يعني أن بلاده قد تخرج منها أكثر ضعفا وأقل قدرة على مواجهة القوى التي تطمح في منافستها على قيادة النظام الدولي خصوصا الصين ولأنه وصل إلى البيت الأبيض على جناح شعار أميركا أولا مدعيا أن مهمته الأولى تكمن في العمل على عودة أميركا عظيمة فسوف يجد نفسه في موقف يفرض عليه آجلا أو عاجلا أن يختار بين شعاري أميركا أولا وإسرائيل أولا فالولايات المتحدة لم تعد مثل ما كانت منذ سنوات ففيها شريحة واسعة من النخب تتسع ويتعاظم نفوذها باستمرار ترى أن السياسة الخارجية الأميركية تميل منذ سنوات إلى ترجيح كفة المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح الأميركية نفسها وأن جميع الإدارات التي تعاقبت على حكم الولايات المتحدة تسير على المنوال نفسه منذ الحرب العالمية الثانية لذا يمكن القول إن ترامب في طريقه لمواجهة اختبار صعب وإن مصداقيته أصبحت على المحك وإن عليه أن يثبت بالفعل وليس بالقول أنه قادر على ترجيح كفة المصالح الأميركية حتى في حال تصادمها مع المصالح الإسرائيلية