تعز حين تتحول المدينة المدنية إلى ساحة للفوضى

يمنات
أيوب التميمي
في قلب الجغرافيا اليمنية، تقف تعز كمدينة ذات وجهين متناقضين: وجهٌ حضاري مدني أنجب النخب والفكر والوعي، ووجه آخر يطلّ من بين ركام الحرب كمدينة مثخنة بالفوضى والانقسام. ليست تعز مجرد مساحة على الخريطة، بل رمزٌ لليمن العميق وحلم الدولة المدنية، ومع ذلك، فإن واقعها الراهن يشي بعكس ما هو راسخ في وجدان الناس عنها. هنا تتبدى المفارقة الصادمة: المدينة الأكثر انحيازًا لقيم التمدن والسلوك المدني هي ذاتها التي ترزح تحت وطأة التشرذم والاستقطاب وفقدان الاستقرار.
ولعلّ من أغرب المفارقات في المشهد اليمني أن أكثر المحافظات تحضّرًا وميولًا للسلوك المدني، هي ذاتها التي تدفع أثمانًا باهظة من الفوضى وانعدام الاستقرار. وتعز، بوجه خاص، تبدو نموذجًا صارخًا لهذا الوضع الشاذ، مدينةٌ تحمل في جوهرها ملامح النزعة المدنية، لكنها تُقدَّم في الواقع اليومي بصورة مناقضة لذلك الإرث، وكأنها عالقة بين هويتين متنازعتين.
إن غرابة هذا المشهد لا تعني انعدام تفسيره؛ فتعز مدينة ذات قابلية مزدوجة للاستقرار حين تتوفر الدولة والنظام، وللانفلات حين تغيب سلطة الضبط.في أوقات السلم وحضور الدولة، تكشف المدينة عن طبعها الأصيل وانتمائها للنظام العام، أما حين تغشاها الفوضى، فإن اضطرابها يتجاوز حدود المعقول، ويغدو أعمق أثرًا من اضطراب مدن أقل تحضّرًا منها تواجه الظروف نفسها.
وتخبرنا دروس الحروب أنّ المجتمعات المسالمة بطبيعتها، حين تُدفع قسرًا إلى ميادين الصراع، تكون أكثر عرضة للفوضى الممتدة حتى بعد انقضاء المعارك. فالحروب لا تغيّر خرائط النفوذ فحسب، بل تعيد تشكيل الهويات الجمعية، ولا سيما في المدن المدنية، على نحوٍ أعمق مما تفعله في المجتمعات الخشنة المعتادة على السلاح والعنف. ولذا نرى أنّ مدنًا اعتادت لغة القوة سرعان ما تستعيد هدوءها بعد الحروب، بينما تغرق المدن المدنية في صراعات داخلية متشابكة تترك فيها جروحًا عميقة وتستنزف طاقتها ومعناها الأصلي.
هذه ليست حتمية مطلقة، بل نتيجة لشبكة من الأسباب الواقعية إلا أنّ لهذه الأسباب جذورًا خفية في البنية النفسية والاجتماعية للمجتمع التعزي. فالحرب خلّفت آثارًا غير منظورة داخل هذا النسيج، وأطلقت مطامع
ارسال الخبر الى: