تصدع النظام العربي بعد موجة التطبيع
تعيش المنطقة العربية واحدة من أكثر لحظاتها حساسية منذ عقود. ليس الأمر مجرّد توتّر عابر أو انقسام سياسي ظرفي، بل هو تحوّل عميق في بنية المجال العربي نفسه، في علاقاته، أولوياته، وفهمه لذاته ولأدواره. وموجة التطبيع في السنوات الأخيرة كانت مؤشرًا صريحًا على هذا التحوّل، إلا أنّ عملية طوفان الأقصى جاءت لتعرّي كل شيء دفعة واحدة، وتكشف هشاشة البناء السياسي العربي الذي بدا ثابتًا، فإذا به يتصدّع تحت وقع حدث واحد.
ما جرى بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ليس شأنًا فلسطينيًا داخليًا ولا مجرّد صدام جديد في سجل الصراع الطويل، بل لحظة تاريخية أعادت ترتيب بوصلات الشعوب، وأربكت حسابات الأنظمة، وفتحت الباب لسؤال ظلّ مؤجّلًا طويلًا: ما الذي تبقّى من النظام العربي؟ وهل ما نعيشه اليوم هو بداية تشكّل منظومة إقليمية جديدة، أم نهاية المنظومة القديمة دون ولادة بديل واضح؟ هذا المقال يحاول تقديم قراءة هادئة لهذا المشهد المتشابك، انطلاقًا من رؤية واقعية متزنة.
من بين كلّ ما كشفه طوفان الأقصى، برزت حقيقة أساسية: غياب مركز قرار عربي موحد. لم تكن ردود الأنظمة العربية متباينة فحسب، بل متناقضة جذريًا، من دول سارعت إلى التنديد الحاد، إلى أخرى اكتفت ببيانات باهتة، وإلى دول التزمت صمتًا محسوبًا. وقد ظهر بوضوح أنّ موجة التطبيع الأخيرة لم تصنع تحالفات كما روِج لها، بل صنعت فجوة بين الحكومات وشعوبها. فقد أعاد الحدث الفلسطيني إحياء الرأي العام العربي بقوة، وأعاد تفعيل الحسّ الجماعي الذي بدا في السنوات الأخيرة وكأنه تراجع تحت وقع الظروف الاقتصادية والسياسية. المشاهد التي امتلأت بها الشوارع العربية كانت إعلانًا صريحًا بأن التطبيع الرسمي لا يعكس المزاج الشعبي، وأن القضية الفلسطينية ما زالت نقطة الالتقاء الأعمق بين الشعوب مهما اختلفت أنظمتها.
إذا كان التطبيع بالنسبة لبعض الأنظمة خيارًا استراتيجيًا يندرج ضمن حسابات الأمن والاستقرار والتحالفات الدولية، فإنه بالنسبة لشرعية هذه الأنظمة كان سيفًا ذا حدين. فقد سعت بعض الدول إلى بناء شرعية سياسية جديدة عبر شراكات كبرى مع القوى العالمية، معتبرة أن
ارسال الخبر الى: