ما إن انتهى يوم الانتخابات النيابية الأردنية غير الطويل نصف يوم في الواقع حتى بدأت النتائج تظهر مع منتصف الليل تباعا في المواقع الإخبارية مر هذا الاستحقاق بصورة سلسة وبقدر قليل من المشكلات حتى إن النتائج أعلنت قبل الموعد المقرر وفي بعض المراكز الانتخابية في العاصمة لم يعان الموظفون القائمون على العملية من ضغوط في عملهم إذ كان عدد المقترعين أقل من المتوقع قياسا إلى الآمال التي أثارتها جهات عدة تضم مترشحين وأحزابا ومنابر إعلامية حكومية وخاصة والهيئة المستقلة للانتخابات ارتفعت نسبة التصويت إلى زيادة 2 5 عن انتخابات عام 2020 ووصلت هذه المرة إلى 32 25 وكانت نسب الاقتراع المنخفضة من نصيب العاصمة عمان والزرقاء وهما مدينتان بكثافة سكانية عالية وتضمان مختلف شرائح المجتمع فيما ارتفعت النسبة إلى أكثر من 60 في مدينتي الكرك ومعان جنوب وبعض مناطق البادية بالرغم من أن الأحوال الاقتصادية في المدينتين وفي مناطق البادية ليست ممتازة غير أن أبناء المدن الكبيرة يستشعرون صعوبة الأوضاع بصورة أكبر بالنظر إلى طبيعة الحياة المدينية ومتطلباتها وأكلافها وهو ما صرف الأنظار عن الانتخابات وعدا عن ذلك فإن نسبة كبيرة من الجمهور في العاصمة وفي الزرقاء لم تكن في مزاج انتخابي أبدا بسبب إرث طويل من إخفاقات مجلس النواب ومن التقييد الرسمي للعملية الانتخابية وبالذات خلال فترة اعتماد قانون الصوت الواحد فضلا عن تقييد الأحزاب وشيطنتها وهو ما ترك آثارا غائرة في الوعي الاجتماعي العام أكثر من نصف الفائزين ينتمون إلى الأحزاب الجديدة وفي وسعهم تشكيل كتلة كبيرة متجانسة وفي النتائج كان فوز جبهة العمل الإسلامي بأعلى عدد من المقاعد 31 مقعدا متوقعا فالجبهة حسنة التنظيم وتدمج الدعوي بالاجتماعي بالسياسي وقد تماشت مع مزاج الناس الناقم على حرب الإبادة في غزة والمؤيد للمقاومة رغم الإدراك أن المقاومة لا يمكنها وضع حد للحرب وبالذات للمجازر اليومية وقد جاءت عملية السائق الأردني الشهيد ماهر الجازي ضد جنود إسرائيليين في معبر الكرامة لكي تشحن الناس الذين كانوا ينتظرون موقفا صلبا كهذا وكي تحسن بين المترشحين فرص نجاح رافعي راية الصمود في وجه الاحتلال وهو ما حدث فنال الحزب الإسلامي أصواتا عالية في صفوف البدو والعشائر إضافة إلى الأصوات التي تحصل عليها في المدن وليس معلوما إن كانت فرصه وفرص غيره سوف تزيد أو تقل لو أن نسبة التصويت ارتفعت إلى 40 مثلا كما كان مأمولا غير أن التمثيل النيابي سيكون أوفى وأكثر إقناعا حينها وإلى جانب هذا الحزب فازت أحزاب جديدة بنسبة عالية من الأصوات وبعدد كبير من المقاعد وهي تدخل البرلمان للمرة الأولى وتفسير ذلك أن هذه الانتخابات شهدت تدافعا بين قوى اجتماعية فإلى جانب المستنكفين والعازفين عن الاقتراع هناك من تحشدوا واندفعوا واستنفروا للتصويت بطريقة منظمة لأحزاب جديدة في المشهد وإلى جانب قناعات المقترعين ورؤاهم السياسية تلعب الاعتبارات العائلية والمناطقية والروابط المهنية والوظيفية والمطامح الشخصية والتحالفات دورا في رسم المشهد وفي توجيه الحراك الانتخابي وفي الحصيلة يحمل هذا المجلس جديدا في وجوهه وفي القوى التي يمثلها ولئن تصدر حزب جبهة العمل التقارير والأنباء عن فوزه بأكبر عدد من المقاعد فإن ثمة أحزابا تقترب منه في حجم تمثيلها ومنها على سبيل المثال حزب الميثاق الوطني الذي نشأ قبل عام ونصف العام فقط وقد كان لافتا إعلان رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات أن 104 حزبيين وصلوا إلى مقاعد البرلمان من أصل 138 نائبا ومن الواضح أن أكثر من نصف هؤلاء الفائزين ينتمون إلى الأحزاب الجديدة وفي وسعهم تشكيل كتلة كبيرة متجانسة تقف أحزاب جديدة أمام امتحان الجدية والجدوى وإذا ما كانت تصغي لنبض الناس واحتياجاتهم الفعلية ويسترعي الانتباه أن التيارات اليسارية والقومية بمختلف تلويناتها لم تصل إلى البرلمان باستثناء عدد ضئيل من شخصيات مستقلة قد تكون قريبة من اليسار وقد لوحظ في هذه الانتخابات أن الحزب الشيوعي الأردني من أقدم الأحزاب قد أبلى بلاء حسنا في هذه الانتخابات إلى درجة أنه أزاح حزب جبهة العمل الإسلامي عن التصدر في إحدى الدوائر الانتخابية الخاصة ببدو الوسط وحل في محله لكنه لم يفز للأسف بأي مقعد إذ إن العتبة الحد الأدنى للفوز مرتفعة وتمثل 7 5 في الانتخابات المحلية الخاصة بكل منطقة فيما لم يحالف الحظ التيار الديمقراطي الذي يضم يسارا جديدا واجتماعيا وقد جاءت حصته من الأصوات تالية لحصة الحزب الشيوعي وهذا يعرف عامة الناس اسمه على الأقل بينما فاز نائب وحيد عن تيار مدني ديمقراطي فيما فاز حزب العمال بمقعدين وهو حزب ينشط في مجال السعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية لشرائح الفقراء من عمال وطلبة جامعيين وجمهرة الموظفين ذوي الرواتب المتدنية وعليه لن يفسح تصدر حزب جبهة العمل النتائج المجال أمامه بالضرورة لـتوجيه البرلمان ولسن التشريعات ولمراقبة الأداء الحكومي فضلا عن التأثير الملموس في السياسات العامة الاساسية وذلك لافتقاده شركاء وحلفاء اللهم إلا إذا نجح في نسج علاقات عمل مع مستقلين علما أن الحزب لأنه محافظ يصطدم بمعارضة جهات وقوى اجتماعية في النظرة إلى حقوق النساء مثلا وإلى الأنشطة الثقافية والفنية وسواها وهو ما يتطلب منه إبداء مرونة أكبر واحترام التنوع الثقافي في المجتمع ويبقى التساؤل هنا عن الجديد الذي ظهر في هذه الانتخابات فهناك ما هو جديد حقا يتمثل في الحضور الحزبي إذ تقف أحزاب جديدة أمام امتحان الجدية والجدوى وإذا ما كانت تصغي لنبض الناس واحتياجاتهم الفعلية وهناك مشاركة نسائية 27 نائبة بحجم يفوق التمثيل النسائي في سائر البرلمانات العربية إضافة إلى تمثيل فئة الشبان غير أن هذه الحيثيات تبقى في إطار الشكل إلى أن تثبت هذه المستجدات أنها تحمل جديدا على صعيد الدور الفعلي في صوغ تشريعات متطورة وفي المشاركة في رسم سياسات أقرب إلى خيارات الجمهور العريض