حين تصالحت مع ذاتي

39 مشاهدة

لم أكن أبحث عن معجزة، ولا أركض وراء خلاصٍ خارق. كلّ ما كنت أريده لحظة واحدة من السكون. لحظة لا أهرب فيها من نفسي، ولا أتظاهر بأن كلّ شيء على ما يرام. كنت أعيش كمن يطارد ظلَّه، أُحمّل الحياة أكثر ممّا تحتمل، وأُحمّل نفسي فوق طاقتها، وأُحمّل الآخرين أدواراً لم يختاروها. كنتُ أظنّ أن السلام شيء يُمنح، أن الطمأنينة هدية يمنّ بها العالم على من يحبُّهم. لكنّي اكتشفت أن كلّ شيء يبدأ من الداخل، من مصالحة صامتة بيني وبين ذاتي.

حين تصالحتُ مع ذاتي، لم يتغيّر العالم من حولي، لكنّ عينَيّ رأتا كلّ شيء بشكل مختلف. صارت الأخطاء التي كنت أحتقر نفسي بسببها، دروساً ثمينةً صنعتني كما أنا اليوم. لم أعد أضع الخطأ تحت المجهر، ولا أُحمّل نفسي ثقل لو وليت، بل صرت أتأمّل كلّ عثرة كما يتأمّل الحرف في آخر السطر معناه الجديد.

الأخطاء لم تعد عاراً، بل صارت إشاراتٍ في الطريق، تقول لي: مررتِ من هنا، وتعلّمتِ شيئًا. أمّا الحزن، ذلك الزائر الثقيل، فقد تغيّرت علاقتي به. لم أعد أقاومه كما كنت، ولم أعد أدفنه في أعماقي كي لا يراه أحد. صرتُ أستقبله بهدوء، وأجلس معه كما يجلس الغريب إلى نارٍ في صحراء ليتدفّأ قليلاً قبل أن يمضي. فهمتُ أن الحزن ليس نهايةً، بل واحدٌ من فصول الحكاية. فصل مؤلم، نعم، لكنّه ضروري، من دونه لن نعرف طعم الفرح حين يأتي، ولا معنى التعافي حين يحدث.

وتغيّرت نظرتي إلى الناس أيضاً. لم يعودوا مرايا أرى فيها نفسي. لم أعد أبحثُ فيهم عن موافقتهم أو رضاهم. صرتُ أراهم كما هم، بشر كلٌّ يحمل حقيقته، عبوره في حياتي مؤقّت، لكنّه غير عابر تماماً. أتعلّم من كلّ لقاء، ومن كلّ خيبة، بل من كلّ كلمة صادقة أو حتى جارحة. أتعلّم، ثمّ أتركهم يمضون. لا أحتجزهم في ذاكرتي أكثر ممّا ينبغي، ولا أحمّلهم مسؤولية سعادتي أو ألمي. صار العبور أكثر خفّةً، وصرتُ أكثر حريةً.

ليست المصالحة مع الذات لحظةً واحدةً، بل مسارٌ

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح