احتضنت المنامة الخميس الفائت أشغال القمة العربية الـ 33 في خضم التداعيات المأساوية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ورغم أن القمة طالبت في بيانها الختامي بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة وإقرار حل الدولتين وعقد مؤتمر دولي للسلام إلا أنها وكما كان متوقعا لم تشذ عن الخط العام الذي سلكته القمم العربية السابقة من ناحية تكريسها عجزا عربيا مزمنا عن تبني قرارات جريئة تتصدى للتحديات التي تجابه الأمة في غير صعيد لم تكن قمة المنامة أكثر من محاولة لرفع الحرج أمام الشعوب العربية بعد أن أحدثت حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني حالة أخلاقية وسياسية كونية غير مسبوقة في وقت عجزت فيه الاحتجاجات التي شهدتها أقطار عربية عن خلق حالة مماثلة بالتوازي مع ذلك أربك صمود المقاومة الفلسطينية واستماتتها في مواجهة قوات الاحتلال وقدرتها على المناورة وأداؤها اللافت في مختلف جولات المفاوضات ذات الصلة بالهدنة ووقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين أربك ذلك كله حسابات النظام الرسمي العربي الذي وجد نفسه في مأزق غير متوقع فلم يعد آلاف الشهداء الذين سقطوا في حرب إبادة قذرة بتواطؤ غربي مكشوف مجرد أعداد مهولة بل باتوا عنوانا عريضا لأزمة بنيوية تخترق مختلف مفاصل هذا النظام بدءا من أزمة الشرعية التي تواجهها معظم الأنظمة والحكومات وانتهاء بجامعة الدول العربية التي تعكس في الواقع أزمة هذه الأنظمة والحكومات وعدم أهليتها لمواجهة التحديات الجسيمة التي تواجه بلدانها انعقدت قمة المنامة وانتهت أشغالها من دون أن تفتح ثغرة ولو صغيرة في جدار التعنت الإسرائيلي فلا تزال إسرائيل ترفض وقف إطلاق النار في تحد صارخ للضمير الإنساني العالمي كان بالوسع تضمين البيان الختامي مطالبة الدول العربية التي وقعت اتفاقات تطبيع مع دولة الاحتلال إسقاط هذه الاتفاقات بكل مخرجاتها السياسية والأمنية والاقتصادية احتراما لعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمشردين لم يختلف بعض ما جاء في البيان عما سبق أن قاله الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن ضرورة إحياء حل الدولتين علما أن استدعاء الإدارات الأميركية المتعاقبة هذا الحل كان دائما بغاية تعويم القضية الفلسطينية بما يمنح الحكومة الإسرائيلية هوامش أوسع في تنفيذ مخططاتها في الاستيطان والتهويد والأسرلة وبذلك يبدو حل الدولتين من منظور قمة المنامة هروبا إلى الأمام في غضون تعنت هذه الحكومة إزاء كل ما من شأنه أن يضع حدا لمحرقة غزة استبعاد قمة المنامة أي ربط بين حرب غزة واتفاقات التطبيع العربية الإسرائيلية في هذا التوقيت لا يعني غير التأكيد على شرعية الاحتلال والاستهانة بالتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني في هذه الجولة الحاسمة من الصراع وهو عائد سياسي لا شك أن الاحتلال سوف يسعى لاستخلاصه بشكل أو بآخر بعد وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب من ناحية أخرى عكست قمة المنامة قلقا عربيا متناميا من التمدد السياسي والمذهبي الإيراني في الإقليم وهو تمدد تسهم حرب غزة في تغذيته بعد نجاح إيران في تغيير نسبي لقواعد الاشتباك مع إسرائيل بالتوازي مع نجاح حزب الله حليفها في التشويش على قوات الاحتلال وتشتيت تركيزها العسكري باضطرارها للقتال على جبهتين بما لذلك من تداعيات على المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين يضاف إلى ذلك مواصلة الحوثيين في اليمن إرباك خطوط الملاحة البحرية الدولية في باب المندب وما يسببه ذلك من خسائر للاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاديات الداعمة لدولة الاحتلال ولذلك فإن إخفاق إسرائيل في القضاء على حماس أو على الأقل ضرب مقوماتها الرئيسة يصب في مصلحة إيران بما يعنيه ذلك من تعزيز شرعيتها ونفوذها الإقليمي للأسف لم تحدث قمة المنامة الفارق في لحظة تاريخية فارقة يعيشها الإقليم ولم تضع مصلحة الأمة ومقدراتها ومستقبلها بعين الاعتبار فجاءت مخرجاتها ترسيما للعجز العربي الذي وصل مستويات تنذر بما لا تحمد عقباه