ما بعد تدمير غزة

٥٠ مشاهدة
منذ قديم الزمان حين كانت تشتعل الحروب بين القبائل والتجمعات السكنية حرص الحاكم العاقل على توصية قادة جنوده بعدم محاصرة العدو من أربع جهات والاكتفاء بثلاث جهات وترك الرابعة مفتوحة للمقاتل كي يهرب من الميدان وأن ينجو بنفسه من الهلاك فلا مفر للمحارب المحاصر من أربع جهات إلا بالقتال حتى الموت وإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف الأعداء لم تكتف القيادة السياسية الإسرائيلية بتوصية القيادات العسكرية بمحاصرة غزة وأهلها من الجهات الأربع بل حرص جيش العدو على محاصرة أهل غزة من جهة السماء حين سلط عليهم طائراته المسيرة تقتلهم وتلاحقهم وتدمر وجودهم وحاصرهم من تحت الأرض حين راح يحفر بجرافاته ومعداته الحربية باطن الأرض لينقب تحت الرمال وفي الشهر التاسع للعدوان عن عنفوان الشعب الفلسطيني الغاضب الذي يأبى الانكسار تدمير غزة من شمالها حتى جنوبها ومن شرقها حتى غربها لم يبق للجيش الإسرائيلي أي نافذة للتهديد بالقتل والتدمير تدمير الحياة في قطاع غزة وتشريد سكانه وبث القلق والرعب في نفوسهم بإعدام عشرات آلاف المواطنين وجرح ما يقارب من مائة ألف وملاحقة الغزيين في المستشفيات ومطاردة الأموات في القبور وحرمان الناس شربة ماء وجرعة دواء ذلك كله الحصار المقيت جعل المواطن الفلسطيني أكثر قناعة وإيمانا بحقه في كل أرض فلسطين وأن استهداف حياته لن يحول دون تمسكه بحقه حتى النهاية لقد أوجدت المعاناة والإرهاق المعيشي في غزة مواطنا متمردا يزداد صلابة يوما بعد يوم ويزداد تشددا في مطالباته برفع الحصار الكامل عن قطاع غزة وعدم الاكتفاء بفتح المعابر صار المواطن الفلسطيني في غزة يطالب بالتخلص من الاحتلال ولا يبالي بالتضحيات وهو يقتحم ممرات الحرية محطما الحواجز الأميركية مستخفا بالتهديدات الإسرائيلية سيما بعد أن دخلت دبابات العدو مدينة رفح آخر معاقل المقاومة كما يزعم العدو وراحت طائراته وصواريخه تدمر مؤسساتها ومنشآتها ومبانيها وبعد أن تفاخر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه نجح في غضون يومين فقط في تهجير أكثر من مليون من مساكنهم لينال بذلك الجرم رضا أميركا ودعمها هي التي أطالت التحذير من دخول مدنية رفح التي غصت شوارعها بمليون ونصف مليون إنسان تدمير غزة من شمالها حتى جنوبها ومن شرقها حتى غربها لم يبق للجيش الإسرائيلي أي نافذة للتهديد بالقتل والتدمير فالقتل والتدمير والذبح والتشريد قد جرى كله فعلا ولم يبق مكان في غزة لم يقصف ولم يبق بيت بلا كسور أو أوجاع بالتالي لا قيمة للتهديد بتدمير المدمر ولا معنى للتصريحات التي تهدد بالقتل والموت والجوع سكان غزة فذلك كله قد عبر على السكان وخبروه ولم يعد أحد يكترث بالتهديدات ويرتعب من صوت الصواريخ وطنين المسيرات إذ لم يعد لأهل غزة ما يخافون عليه فالأولاد قد تركوا مدارسهم نصفهم في القبور ونصفهم في الخيام والمصالح تعطلت والأموال ذهبت أدراج القصف والبيوت هدمت والكهرباء مقطوعة منذ تسعة أشهر والماء بالقطارة والطرق مدمرة والمواصلات توقفت والاتصالات قطعت وقد اعتاد الناس إشعال النيران بالحطب وركوب الكارة التي يجرها حمار في حياة بدائية تبشر بمستقبل يخلو من إرهاب المحتلين بعد هذا الموت الإسرائيلي كله الذي تجرعه أهل غزة انقلب حالهم وصاروا أقرب إلى التضحية منهم إلى طلب النجاة وصاروا أكثر استعدادا لمواصلة مشوار الحرب من البحث عن فتات السلام وصاروا أقرب إلى التطرف منهم إلى الخنوع والاستسلام الذي سعت إليه إسرائيل وصاروا مستعدين لتقديم مزيد من التضحيات شرط عدم التنازل في المفاوضات وعدم التراجع عن الأهداف السامية التي من أجلها كانت معركة طوفان الأقصى فأهل غزة واثقون أن دماءهم ترسم خريطة المستقبل لكل المنطقة العربية وهذا الذي يزيح عن الصدر ثقل المعاناة انتظارا للحظة الانتصار الفارقة التي تمثل لأهل غزة تعويضا معنويا وسياسيا عن كل التضحيات المادية التي يقدمونها الصمود سيوصل العدو الإسرائيلي إلى القناعة بأن الذي يحاصر غزة إنما يحاصر مستقبل دولته وأن الذي يقتل أطفال غزة إنما يقتل الأمن الذي حلم به في فلسطين في الشهر التاسع من الصمود ازداد أهل فلسطين قوة وصلابة وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن 67 من الشعب الفلسطيني مع الهجوم البطولي الذي نفذته المقاومة في 7 أكتوبر 2023 وقد عبرت النسبة نفسها عن ثقتها بأن إسرائيل خسرت المعركة وأن أهل غزة انتصروا على عدوهم وهم اليوم أكثر جرأة على عدوهم وهم اليوم أكثر حزما في مواقفهم وطالما كانت الحرب حرب وجود فلا بأس من الصبر في الملمات والصمود العنيد الذي سيوصل العدو الإسرائيلي إلى القناعة المريرة بأن الذي يحاصر غزة إنما يحاصر مستقبل دولته وأن الذي يقتل أطفال غزة إنما يقتل الأمن الذي حلم به على أرض فلسطين وأن الذي يدمر غزة إنما يدمر مقومات وجوده في هذه البلاد التي لم تعط الأمن والاستقرار والهدوء لعدو الإنسانية ولن تعطيه الأمل

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح