حين تدان المشاعر قبل ولادتها
ولد الإنسان عادة وهو يحمل في صدره مساحة واسعة للعاطفة؛ مساحة مفتوحة كسهلٍ أخضر ينتظر المطر. غير أنّ هناك أماكن وأزمنة تتحوّل فيها هذه المساحة إلى أرضٍ مفخخة، يُخشى السير فوقها، ويُدان فيها الشعور قبل أن يتشكّل. لا تُعامل المشاعر ككائنات حيّة تستحق النمو، بل كجرائم محتملة، كأفكار مشبوهة يجب إجهاضها قبل أن تكتمل.
في مثل هذه الأمكنة، لا يملك القلب رفاهية الإحساس. كلّ إحساس يشبه خطوة فوق أرضٍ ملغّمة، وكلّ خفقة قد تكون سبباً للعقاب. تُدان المشاعر قبل أن تولد، لأن العالم من حولها لا يحتمل هشاشتها، ولأن الهشاشة تحوّلت في نظر كثيرين إلى عيبٍ يُعاقَب عليه.
في العوالم الممزّقة، لا تأتي العواطف بوصفها حقاً طبيعياً، بل كجريمة محتملة. يُنظر إلى الفرح على أنه تجاوز للحدود، وإلى الحنين كترفٍ غير مسموح به، وإلى الحبّ كخطر على النظام الداخلي للنجاة. كأن القلب نفسه يعيش تحت محكمة صارمة، تُصدر أحكامها في صمت لا يسمعه أحد.
يُحاكَم الفرح أولًا، لأنه الأكثر صخباً. يُسأل: بأيّ حقّ تطرق الأبواب؟ ألا ترى أن البيوت مثقوبة، وأن النوافذ مجروحة، وأن الضحكة حين تنطلق قد تتحوّل إلى ندبة؟ فيغادر الفرح المكان قبل أن يصل، كضيف تلقّى إنذاراً بالاعتقال.
أحياناً، أرتجف حين تلمع في داخلي فكرة فرح. فرح بسيط، تافه حتى، لكنه يبدو كطائرٍ أحمق يحاول التحليق وسط عاصفة. أمدّ يديّ لأمسكه، لأخبّئه، لأحميه من حكم الإعدام الذي يلاحقه، لكنه يرفرف ويريد الخروج، يريد أن يعيش.. وأنا أعرف أنه لن يعيش طويلًا.
تُدان المشاعر قبل أن تولد، لأن العالم من حولها لا يحتمل هشاشتها، ولأن الهشاشة تحوّلت في نظر كثيرين إلى عيبٍ يُعاقَب عليه
ثم يأتي دور الحزن. لكن حتى الحزن لا يُسمح له بالظهور. يُعدّ مبالغة، خرقاً لقواعد التماسك، إزعاجاً لقلوبٍ تجاهد كي تبقى واقفة. يشبه غيمة ثقيلة عالقة بين رئتين؛ لا تريد أن تمطر ولا أن ترحل. تبقى معلّقة فوق القلب، تراقب من بعيد، كمن ينتظر موعد محاكمته المؤجَّلة. يُدان الحزن لأنه صادق أكثر مما يجب،
ارسال الخبر الى: