كثيرا ما نجح مصطلح المؤامرة في تفسير الحروب في العالم وحتى انتشار الأمراض والأوبئة وطاول البيئة واللقاحات والجندر لم يستثن شيئا هناك أناس مرضى به ينسبون إليه ما لا يطيقونه إلى حد تسخيفه وهدره على التوافه الجانب الجيد أنه يريحهم من التفكير وهو أسوأ ما يفعله ما يشجع أصحابه على التنطع لتفسير التحولات الكبرى يتبدى خطره في السيطرة على العقول وهيمنته على الأفهام وتعطيل التحري والتنقيب والبحث عن البواعث والأسباب في الوقت نفسه يبدو إغفال المؤامرة كلية من قصر النظر إنها موجودة ويكمن خلف ترويجها تدبير عقلاني ومخططات بعيدة المدى وترتيبات عاجلة وآجلة بالاعتماد على ما يدور من نزاعات في العالم المؤامرة طيعة في التفسير لأنها تعقد في الخفاء وإلا لماذا أجهزة المخابرات التي تحاط نشاطاتها بالسرية والوثائق التي لا يكشف عنها وماذا عن عمليات الاغتيال ألا تقع تحت بند المؤامرة مهما كان ما قد ندعوه بالمؤامرة ولو كان متكتما عليها من الممكن استشفافها ما دامت المصالح المتنازع عليها تتحكم في الصراعات بين الدول بالتالي لا تصبح المؤامرة مؤامرة فعلا إلا إذا غفلنا عما يهدد مصالحنا وربما وجودنا إن ما يزيح عنها غموضها المفتعل التعرف إلى خريطة الطموحات السياسية والاقتصادية ففي الاستسلام لها والتهويل منها تشويه لفهم الواقع وإدراج الأكاذيب بديلا عن الحقائق آخر ما نشهده تسويق القضية الفلسطينية على أنها بدأت في 7 أكتوبر ما يحيلنا إلى القصة الفلسطينية ثمة من يزعم أن هناك مؤامرة تشارك فيها الغرب مع الحركة الصهيونية وأباطرة المال اليهودي ما جعلها تنجح في احتلال بلد بكامله وطرد الأهالي منه على الرغم من مسارعة عدة جيوش عربية للدفاع عنها تفتقد نكبة فلسطين إلى المؤامرة طالما ينقصها عنصر السرية فقد كانت معلنة منذ المؤتمر الصهيوني ووعد بلفور وسبب نجاحها أن الصهيونية طرحت دولتها قبل أن يصبح الاستعمار شيئا من الماضي تسارع العمل عليها بتدفق سفن المهاجرين اليهود إلى فلسطين ولم يكن من المفارقة أبدا أنه تم تحت حماية الاستعمار البريطاني قبل رحيله عن فلسطين وحلول اليهود محل البريطانيين كانت عملية تسلم وتسليم فاليهود أدركوا نهايات الزمن الاستعماري قبل رحيله وكان في أفول فانتهزوا الفرصة وأعلنوا دولتهم كان من طبائع الفتوحات الاستعمارية ارتكاب المجازر وقتل الأهالي وحرق بيوتهم والاستيلاء على أراضيهم لم تكن العملية مستهجنة فالدول الأوروبية قتلت ملايين الأفارقة مثلما الأميركان أبادوا ملايين الهنود الحمر كذلك في أستراليا قتلوا السكان الأصليين في بلداننا العربية بدا الاستعمار قدر الشعوب فحل على أرضنا الإنكليز والفرنسيون والطليان هذا ما كان شائعا يحكمه منطق العصر الاستعماري لم تقتصر النكبة الفلسطينية على فلسطين وحدها بل امتدت إلى البلدان العربية ولم ينج منها بلد وشاركوا بكوارثها فالمنطقة مستهدفة وتحت مظلة المشاريع الغربية كان من جرائها انقلابات وثورات وتحالفات إلى حد اعتقد العرب أنهم علقوا في مستنقع المؤامرة لا سيما أن لدى صانعيها الكثير من الخيال للإدانة والتبرئة حتى أن اليسار اتهم الإمبريالية بتوريط اليهود واستخدامهم ليكونوا عملاء لها وجزءا من مشروعها يعملون لحسابها من دون علمهم أي أنهم ضحايا مثل الفلسطينيين وكان في إنقاذهم إنقاذ لهم إذا كانت مؤامرة فقد صمدت لئلا نقع في حبائل ما يزعم من تآمر ومؤامرات يستحسن التنبه إلى أن الغرب قام بتحديث القصة الفلسطينية بتعقيدها وزجها في متاهات المفاوضات والتنازلات والتلاعب بها والسعي دائما لإغفال أسبابها والبدء دائما من جديد طوال ثلاثة أرباع القرن آخر ما نشهده تسويقها على أنها بدأت في السابع من تشرين الأول أكتوبر الماضي والسبب حماس الإرهابية شنت الحرب على إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط هذا التحديث لم يكن جديدا لكن الآن أصبحت حرب الإبادة مبررة ما يكشف أن المؤامرة في الواقع ما يمارس من تزوير بزعم أن حماس حركة إرهابية بدلا من أنها حركة تحرر وطني وإسرائيل بلد ديمقراطي بينما أنها استعمار استيطاني أي أن المؤامرة بالتوصيف وتسويقه مع أن الاستعمار استعمار والجريمة جريمة والمجزرة مجزرة والمقاومة نضال مشروع هذه المؤامرة يشارك بها الرباعي الأميركي والبريطاني والفرنسي والألماني الدول نفسها التي كانت سببا لها وفي استمرارها القصة الفلسطينية واضحة وبسبب وضوحها نالتها أطنان من التعمية والتزوير عبر عنها المفكر والمناضل العالمي تشومسكي من المفارقات أن قصة فلسطين منذ البداية وحتى اليوم هي قصة بسيطة عن الاستعمار والتجريد من الممتلكات ومع ذلك يراها العالم قصة معقدة ومتعددة الأوجه وأنه يصعب فهمها وأن حلها عصي روائي من سورية