يواجه الشعب الفلسطيني أحد أصعب المفترقات السياسية والاجتماعية والثقافية والوجودية في تاريخه المعاصر فبعد احتلال أرضه عام 1948 من قبل إسرائيل التي لم تتوقف عن ممارسة عمليات التحويل الجيوسياسي والديموغرافي حتى هذه اللحظة وما رافق ذلك من عمليات تطهير عرقي لثلاثة أرباع السكان فقط بين عامي 1947 و1948 ها هو يمر اليوم بأخطر وأقسى مرحلة حيث يواجه خطر التهجير القسري الجماعي وخطر الإبادة الجماعية التي تمارسها الصهيونية إضافة إلى تعرضه لحملة عسكرية ترتكب فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هذا ما يخلص إليه كل من الباحث الإسباني أغناسيو ألباريث أوسوريو ألبارينيو وزميله خوسيه أبو طربوش في كتابهما الجديد غزة تاريخ نكبة معلنة والذي صدر حديثا عن دار نشر كاتاراتا الإسبانية ينطلق الباحثان في كتابهما من عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول أكتوبر الماضي والتي جاءت كرد على الحصار والاستيطان الذي يعانيه الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 ويقرآن السلوك الإسرائيلي باعتباره نموذجا عن دولة منبوذة عالميا لكنها مع ذلك تنجو دائما من العقاب وهذا ما يبرر مواصلتها ارتكاب جرائم ضد القانون الدولي وضد الإنسانية كما يحدث الآن في حرب الإبادة الجماعية في غزة يستفيض الكاتبان في الحديث عن دعم القوى الغربية الرئيسية لكيان الاحتلال في عدوانه المستمر خصوصا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وما يمكن أن يترتب عن ذلك من زعزعة للأمن في منطقة الشرق الأوسط ذلك أن كل المعطيات تشير إلى حدوث نقطة تحول في مجرى الأحداث في غزة وفي المنطقة والعالم على حد سواء بما في ذلك بروز اصطفافات عالمية جديدة لا سيما في ضوء الاحتجاجات الشعبية والطلابية التي اكتظت بها الجامعات والشوارع في الغرب يخصص الباحثان فصلا لتحليل موقف نظام نتنياهو وحلفائه في ظل هذا الوضع الجديد حيث يسعون لفرض مشروعهم التوسعي المتمثل في بسط وتطبيع السيطرة الإسرائيلية على كامل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط وعلى الرغم مما يوحي به عنوان الكتاب فإنه ليس عملا تاريخيا يحلل القضية الفلسطينية منذ نشأة الحركة الصهيونية إلى يومنا هذا بل يسلط الضوء على الأحداث الأخيرة من الإبادة وما رافقها من ممارسات إجرامية سواء من الجانب الإسرائيلي أو من قبل الغرب الذي سمح بمثل هذه الممارسات مع توفير سياق تاريخي ضروري لفهم القضية الفلسطينية ولفهم حرب الإبادة الحالية