من تاريخ المنتخبات 22 الأوروغواي شمس بزغت ثم ركنت للظل

٢٢ مشاهدة
مثل مرآة تعكس المنتخبات البلاد التي تمثلها فهي تجمع عناصر هويتها وتكثفها في فريق من 11 لاعبا كأنما يختزلون شعبا مسار هذه المنتخبات عبر السنوات والمسابقات الكروية الكبرى يعمل مثل تاريخ مواز للأمم تضيئه هذه السلسلة تتناول حلقة اليوم تاريخ منتخب الأوروغواي في كتابه كرة القدم في الشمس والظل عبر الكاتب الأوروغواياني إدواردو غاليانو 1940 2015 عن اغترابه وهو يشاهد كرة القدم الحديثة يروي من خلال لقطات من تاريخ كرة القدم يوردها بترتيبها الزمني الطبيعي علاقته العميقة بكرة القدم منذ الخمسينيات وصولا إلى انسحابه التدريجي من متابعتها مع التغيرات التي طرأت عليها فحولتها إلى صناعة باردة وكأنه بذلك يروي ما حدث لمنتخب بلاده الذي اختفى في النصف الثاني من كتابه كما اختفى عن التتويجات في النصف الثاني من القرن العشرين لهذا السبب أو ذاك فإن تاريخ كرة القدم هو رحلة حزينة بالنسبة لغاليانو لأن اللعبة انتقلت من المتعة إلى الواجب في تحليل غير مستغرب من صاحب كتاب الشرايين الفتوحة لأميركا اللاتينية والذي يكشف فيه تاريخ النهب الذي فرضه الاستعمار الأوروبي ثم الهمينة الأميركية على جنوب القارة الأميركية وقد حدث شيء من ذلك ولو بشكل غير مباشر في اللعبة الأكثر شعبية في العالم حيث تطبعت بالنزعة المنفعية حتى باتت كرة القدم الاحترافية تستنكر ما هو غير مفيد وما هو غير مفيد في عرفها هو كل ما لا يعود بالربح وليس هناك أرباح تجنى حين يتحول الرجل لبرهة إلى طفل حين انتهى ذلك الزمن لم يعد للأوروغواي مكان بين الكبار من ينظر في الخريطة سيجد هذا البلد محشورا في زاوية من خريطة أميركا الجنوبية بين ثلاث كتل ضخمة ضخمة البرازيل شمالا والأرجنتين شرقا والمحيط الأطلسي كمنفذ وحيد إلى العالم بعيد عن الجارين ولقد خاض الأوروغوانيون حروبا كثيرة في القرن التاسع عشر كي يكونوا بلدا مستقلا فبعد أن انتهت حروب التحرر من الاستعمار الاسباني ما بين 1811 و1817 كان عليهم أن خوض حروب جديدة مع البرازيل والأرجنتين الناشئتين وكل منهما يدعي أن الأوروغواي مجرد امتداد طبيعي له هذا التاريخ المتوتر يشير إلى صعوبة أن يجاور بلد صغير أيضا من ناحية التعداد السكاني 2 مليون نسمة بداية القرن الماضي وبلغ 3 5 مليون بداية القرن الجاري عملاقي قارته لكن تاريخ كرة القدم يخبرنا بأن الأوروغواي قد افتك لنفسه حيزا من الندية والتفوق أحيانا ثم ما يلبث أن يعود إلى حجمه الطبيعي بفضل ألقابه المبكرة كان الأوروغواي لزمن طويل المنتخب الأكثر تتويجا في العالم في المسابقات الدولية في ذلك كانت الإستراتيجية كالتالي خذ نصيبك مبكرا قبل أن تضيع الفرصة إلى الأبد أي وقتما تضع الأمم كل مقدراتها من القوة البشرية إلى النفوذ السياسي لتحقيق الألقاب الكروية وهكذا حصد الأورغواي أول مسابقة دولية في التاريخ كوبا أميركا لعام 1916 وكذلك أول كأس عالم حين نظمت على أرضه عام 1930 في منتصف القرن العشرين كان الأوروغواي البلد الأكثر تتويجا في العالم بمونديالين و9 كوبا أميركا وفي نهاية القرن ظلت الأوروغواي بنفس الرصيد من كؤوس العالم فقط أضافت ألقابا أخرى من كوبا أميركا فوصلت إلى 14 لقبا قاريا لتعود إلى الصدارة على مستوى العدد الجملي للألقاب الدولية بعد أن تجاوزتها الأرجنتين فلم ينته القرن إلا وقد صار لكليهما كأسا عالم و14 لقبا في كوبا أميركا أما البرازيل فحققت 4 كؤوس عالم لكنها لم تحرز سوى 6 كوبا أميركا طوال القرن ظل التعادل بين الأوروغواي والأرجنتين مستمرا حتى عام 2011 عامها نظمت الأرجنتين كوبا أميركا على أمل أن تفض الشراكة مع الجار الصغير غير أن ميسي وزملائه كانوا يعيشون وقتها عقدة التتويج ما بعد ماراودنا لم تحقق الأرجنتين أي لقب منذ 1993 وأدهى من ذلك توجت الأوروغواي بالكأس وعادت منفردة في صدارة ترتيب الفائزين بالألقاب الدولية دام ذلك عشر سنوات قبل أن تتوالى في السنين الأخيرة ألقاب الأرجنتين كأس العالم 2022 وكوبا أميركا 2021 و2024 فتحسم الصدارة لصالحها وإضافة إلى المسابقات الدولية الكبرى حقق الأوروغواي ميداليتين ذهبيتين في أولمبياد باريس 1924 وأمستردام 1928 تواليا ولولا هذين اللقبين ربما لم يكن هذا البلد ليقنع مسؤولي الفيفا عام 1929 بتنظيم المونديال الأول وبالتالي كان ذلك عاملا رجح كفة الأوروغواي في نيل كأس العالم ليس فقط بفضل الحضور الجماهيري ودعم الدولة بل أيضا لأن معظم المنتخبات الأوروبية إيطاليا ألمانيا إسبانيا المجر تغيبت عن المشاركة معلنة عدم رضاها باختيار بلد بعيد لتنظيم المسابقة فيما ترفعت إنكلترا البلد الأعرق في كرة القدم عن المشاركة بالنسبة لـ فيفا كان الأوروغواي فرصة لتكون كأس العالم عالمية بالفعل وقد أثبتت النتائج الرياضية أن وراء ذلك المنتخب شعب شغوف باللعبة سيتيح عروضا جماهيرية جيدة وإلى ذلك وهي النقطة التي حسمت موقف فيفا فإن الأوروغواي أعلن عن بناء ملعب عملاق بمناسبة كأس العالم 1930 والتي تتزامن مع مئوية استقلال الأوروغواي وهو الملعب المعروف باسم سنتيناريو المئوية ألم تكن تلك هي الخطوة الأولى التي أوصلت كرة القدم إلى ما عليه اليوم أي فضاء ما فوق رياضي تعبره الرهانات الرمزية والجيوسياسية والاقتصادية وهو صلب ما ينتقده غاليانو غير أنه كان يحدث في النصف الأول من القرن العشرين بمقادير صغيرة لن يدافع منتخب الأوروغواي عن لقبه ففي مونديال 1934 في إيطاليا قرر الاتحاد المحلي عدم المشاركة في رد على ما فعلته البلدان الأوروبية قبل أربع سنوات وفي دورة 1938 أيضا لم تشارك الأوروغواي احتجاجا على منح تنظيم كأس العالم لفرنسا أي إقامتها للمرة الثانية على التوالي في أوروبا كما لم تدافع الأوروغواي على ميداليتها الذهبية في مسابقة كرة القدم في الألعاب الأولمبية عام 1932 في لوس أنجليس هذه المرة لأن الهيئة الأولمبية انزعجت من تنظيم إحدى الرياضات مسابقة دولية خارج إطارها في الأربعينات علقت معظم المسابقات الرياضية الدولية بسبب الحرب العالمية الثانية تدمرت مدن أوروبا خصوصا فتوقف تاريخ كرة القدم هناك بضع سنين لكنه استمر في أميركا الجنوبية فقد تواصلت زمن الحرب كوبا أميركا بشكل منتظم بذلك استفاد الأوروغواي من انخفاض حدة المنافسة العالمية سنوات أخرى وحين انتهت الحرب كان منطقيا أن يمنح تنظيم كأس العالم إلى بلد من أميركا الجنوبية ولم يكن أفضل من البرزيل الذي بنى صرح الماراكانا من أجل أن يكون شاهدا على تتويجه بكأس العالم 1950 غير أن الأوروغواي هو من أحرز كأس العالم 1950 وقد خلقت تلك المباراة عداوة بين الجارين أكثر من الحروب العسكرية منذ قرن روى غاليانو في كتابه كيف عاش طفل العشر سنوات ذلك الإنجاز عبر الراديو انتصرت الأوروغواي لأن البرازيل أعطت اللعبة أكثر من حقها بكثير فحولتها إلى مسألة حياة أو موت فيما لعب الأوروغوانيون بقيادة سكيافينو وغيغيا بخفة وبدون ضغوط لعبوا كرة القدم كما ينبغي أن تلعب ولا ندري هل هي استعارة أم حكاية واقعية حين أورد غاليانو أن صحف البرازيل طبعت صباح النهائي عدد اليوم الموالي بعناوين بارزة يظهر فيها منتخب البرازيل بطلا للعالم ومن ثم ذهب رؤساء التحرير والصحافيون وعمال المطابع لمشاهدة المباراة التي تحولت إلى كارثة وطنية وصف غاليانو لحظة تتويج الأوروغواي بأنها لحظة الصمت الأكثر دويا في تاريخ كرة القدم تبدو حكايتا تتويج الأوروغواي متناظرتين في المرة الأولى انتصر المنتخب السماوي لأنه أكثر من عرف قدر كرة القدم وحرص على استثمارها وفي الكأس الثانية استفاد من إعطاء البرازيل كرة القدم أكثر مما تستحق بعد الوصول للقمة سواء كان ذلك عن جدراة أو بالصدفة فالأمر سيان إذ لم يبق سوى التراجع عادة ما يكون الحكم الذي تطلقه هذه المقولة أمرا ظرفيا لكنه بالنسبة للأوروغواي فهو مستمر منذ 1950 ولا يبدو من المنطقي أن يعود المنتخب السماوي للقمة حتى بفضل الحظ فقد تغيرت كرة القدم كثيرا منذ الخمسينيات إلى أيامنا يبدو تاريخ منتخب الأوروغواي مثل لقطات متفرقة وللإشارة فإن كتاب كرة القدم في الشمس والظل قام على صيغة فريدة من النصوص القصيرة المكثفة التي تروي تاريخ كرة القدم عبر لقطات متفرفة كثيفة بالمعنى وسنجد أن هذا المنطق في تأليف الكتاب شبيه بتاريخ الأوروغواي الكروي الذي لا امتداد فيه لم يعد المنتخب السماوي من بين المرشحين لنيل كأس العالم أفضل نتائجه في النصف الثاني من القرن العشرين كان بلوغ نصف النهائي في 1954 و1970 وفي معظم الدورات اللاحقة خرج الأوروغواي من الدور الأول أو لم يبلغ النهائيات ولن يعود إلى تحقيق مشاركة جيدة في كأس العالم إلا عام 2010 حين وصل مجددا إلى نصف النهائي كانت كوبا أميركا تكسر هذا الصيام الطويل حيث حققت الأوروغواي ألقابأ متباعدة آخرها 1987 و1995 و2011 أهم ما يطرحه منتخب الأوروغواي اليوم هو الذكريات على القميص السماوي وفيما تجري العادة بوضع نجمة على كل كأس عالم نجد 4 نجوم ذلك أ الأوروغوانيين يعتبرون أن ذهبيتي الأولمبياد قبل إطلاق كأس العالم بمثابة التتويج المونديالي كما أن النوستالجيا لعصر الإنجازات تمتد إلى اقتراح تنظيم بطولات ومنها الطلب المشترك مع الباراغواي والأرجنتين لتنظيم كأس العالم 2030 لتعود الكأس من حيث انطلقت ورغم أن الملف المشترك المنافس المغرب وإسبانيا والبرتغال قد تفوق إلا أن فيفا قررت أن تمنح ملعب السينتياريو شرف احتضان المباراة الافتتاحية كانت فيفا قد سايرت النوستالجيا الأوروغوانية سابقا ففي عام 1980 قبلت مقترحا بتنظيم ما سمي بـالموندياليتو المونديال الصغير احتفالا بمرور 50 عاما على أول كأس العالم وكما نعرف فهو احتفال بمرور نفس المدة من تتويج الأوروغواي بكأس العالم دعيت لهذه المسابقة المنتخبات المتوجة بكأس العالم حتى ذلك الوقت الأوروغواي وإيطاليا وألمانيا والبرازيل وإنكلترا والأرجنتين وكعادتها لم ترغب إنكلترا في المشاركة فاستبدلت بوصيف كأس العالم الأخيرة هولندا انتهت كأس الذكريات هذه بفوز الأوروغواي على أرضها لقد أعاد التاريخ نفسه بشكل ما بعد نصف قرن حتى من ناحية أن الأوروغواي هو أكثر بل غالبا هو الوحيد الذي أخذ تلك الدورة على محمل الجد بمرور السنوات تتباعد أمجاد الأوروغواي الكروية لكن أبناء هذا البلد لا يفتأون يعودون إليها كان المدرب أوسكار تاباريز الذي حاول إعادة عظمة الأوروغواي من جديد ما بين 2006 و2021 قد وضع ضمن برنامج الإعداد النفسي للاعبيه حصص مشاهدة لمباريات الأوروغواي القديم وبشكل ما يمكن القول أنه نجح في تحريك مياه راكدة فقد تحسن المنتخب أثناء إشرافه عليه وتطور خصوصا مستوى اللاعبين الأوروغوانيين ليس بقميص المنتخب فحسب بل خلال مغامراتهم في الأندية الأوروبية الكبيرة أيضا كان أولهم دييغو فورلان وصولا الى فيديريكو فالفيردي في أيامنا إن أهم دور يلعبه الأوروغواي اليوم أنه يشير إلى أن كرة القدم كانت تلعب وفق معادلات أخرى تماما كما يحلو لكاتبه إدواردو غاليانو أن يقدم لنا كرة القدم في أزمنة كانت ظاهرة بحجم بشري قبل أن تتحول إلى لعبة مؤلفة من موظفين متخصصين في تفادي الهزيمة عوضا عن اللاعبين الذين يجازفون بإلهام وفق عباراته وحين أصبح من الصعب الاستثمار في النتائج الرياضية مع ظل احتدام المنافسة العالمية بما لا يقوى عليه بلد مثل الأوروغواي هاهو يستثمر في ذاكرته الكروية أساسا وهو ما يتجلى في تخصيص جزء من ملعب السنتيناريو ليكون متحف كرة القدم

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح