تأنيث اقتصاد سورية العمل الحكومي للنساء وهجرة كبيرة للذكور
٢٨ مشاهدة
في مشهد يلفت الانتباه كثيرا باتت النساء الأكثر حضورا في سوق العمل الحكومي في سورية حيث تسارعت معدلات تأنيث الاقتصاد في الفترة الأخيرة وسط ارتفاع معدلات استقالات الذكور من قطاعات الأعمال المختلفة هربا من تدهور الأجور إلى القطاع الخاص والعمل الحر أو الهجرة إلى الخارج تعبر لمياء زعرور 43 عاما عن واقع المنشأة الصناعية الحكومية التي تعمل بها في مدينة حلب شمالي البلاد عن الواقع بقولها صرنا في المعمل كلنا بنات فالشباب رحلوا بحثا عن مصدر دخل أفضل من راتب القطاع العام الذي لا يصل أقصاه إلى 250 ألف ليرة شهريا 16 7 دولارا السيدة زعرور التي قالت لـالعربي الجديد إن انقطاع الكهرباء وتراجع الإنتاج أحال معظم عمالة القطاع الحكومي لبطالة مقنعة لذا لم تكن الإدارة تتمسك بالمستقيلين ولكن خلال الأعوام الأخيرة لم تعد تقبل استقالات الشباب خاصة الكفاءات والعاملين في مواقع إنتاجية محددة لا تستطيع الإناث العمل فيها ومن مدينة حماة وسط سورية تواصل العربي الجديد مع العامل السابق في شركة الكهرباء أيمن الشمالي البالغ من العمر 38 عاما الذي أكد استقالته من العمل في القطاع العام قائلا الراتب بالكاد يكفي أجور النقل وثمن الخبز لكن عمله في سوق الحاضر الكبير بالمدينة يدر عليه ضعف الأجر ومع ذلك المعيشة بالحد الأدنى وأسعى للهجرة والحال يتكرر وإن بشكل مركب في العاصمة دمشق بعد أن فاضت العمالة وتعدت نسبة البطالة 80 بحسب مصادر متخصصة في سوق العمل نتيجة الهجرة والتمركز في المدينة فنسب استقالة الشباب من القطاع العام كبيرة رغم عدم توفر فرص عمل بالقطاع الخاص بعد إغلاق بعض المنشآت أو تقليل عدد العمالة بأخرى بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار الطاقة والمواد الأولية وتراجع القدرة الشرائية بالسوق الداخلية وصعوبات التصدير للخارج وفق ما يرى الخبير الاقتصادي محمود حسين يقول حسين خلال حديثه لـالعربي الجديد إن النساء يقبلن بأجور منخفضة كون دخلهن رديف وثان بالأسرة لكن الرجال المطالبون بالإنفاق هجروا العمل الحكومي باتجاه القطاع الخاص والأعمال الحرة والنسبة الكبرى من الكفاءات وأصحاب الخبرة من حملة الشهادات العليا يسعون وراء مؤسسات دولية تعطي الأجر بالدولار أو الهجرة للخارج الأمر الذي أضفى على العمل الحكومي برأيه صفة التأنيث فترى غلبة العنصر النسائي حتى على الأعمال التي تحتاج إلى جهد عضلي وفي قطاعات ما كانت تدخلها النساء قبل الثورة السورية والحرب التي بدلت من ملامح الاقتصاد السوري تسرب من وزارات النفط والمالية والتجارة تباينت آراء من استطلعنا رأيهم حول تأنيث الاقتصاد السوري إذ تراوحت النسبة بين غلبة النساء في القطاع الحكومي على 60 بشكل عام ونحو 80 في العمل الزراعي مع الإشارة إلى أن عمل المرأة في سورية قبل الثورة لم يكن يزيد عن 30 من قوة العمل بحسب الخبير الاقتصادي حسين والأهم برأيه أن عمل النساء في الماضي كان ينحصر في وزارة التربية وبعض المنشآت الصناعية والسياحية في حين اليوم وبسبب تسرب وهروب واستقالة الذكور غلبت النسبة حتى في وزارات النفط والمالية وصالات وزارة التجارة الداخلية وحصل العربي الجديد من مصادر مطلعة في دمشق على دراسة أجراها المعهد الوطني للإدارة العامة حول نزيف الموارد بشكل عام من العمل الحكومي والذكور على وجه التحديد ما أضفى صفة التأنيث على معظم العمل الاقتصادي وتنطلق الدراسة من بيانات منشورة بين عامي 2010 و2022 وتم تحليل التسرب على مستوى كل وزارة وكل مؤهل علمي وعلى مستوى الذكور والإناث إذ بلغت نسبة التسرب في خمس وزارات بعد التحليل الكمي واعتبار 2010 سنة أساس أكثر من 50 بيد أن اللافت في الدراسة أن التسرب الأكبر كان لدى الذكور إذ تراوح ما بين الضعفين إلى الخمسة أضعاف مقارنة بالإناث إذ بلغ تسرب الذكور 32 7 في حين بلغت النسبة لدى الإناث نحو 9 7 في 2022 مقارنة بعام 2010 وتشير الدراسة التي تبعها سيمنار جلسة حوار لبحث أسباب التسرب زيادة عدد الإناث في وزارات النفط والثروة المعدنية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والكهرباء والتربية والداخلية والمالية كما أن 40 4 من المتسربين يحملون شهادة المعاهد المتوسطة و54 11 من حملة الشهادة الابتدائية ونبهت جلسة الحوار التي تلت الدراسة بحسب المصادر إلى نية العاملين في القطاع العام ترك العمل وكلهم ذكور إذ بينت الدراسة أن 22 من نية ترك العمل يعود سببها إلى ضعف الرواتب والأجور و13 5 يعود إلى ضعف فرص الترقية والمسار الوظيفي وأنه كلما قل العمر زادت نية ترك العمل كما أنها تزداد بازدياد عدد سنوات الخبرة وفي قراءة لنسب التسرب ونوعه وآثاره يقول المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي إن هذه الدراسة منذ عامين ولكن اليوم زاد فقدان الثقة في أي تغيير أو تحسن بالاقتصاد السوري ما زاد برأيه من الاستقالات والهجرة ويشير قاضي لـالعربي الجديد إلى أن إغلاقات المنشآت الخاصة وهجرة الأموال ارتفعت خلال العامين الأخيرين كما تضاعفت تكاليف المعيشة لتصل إلى أكثر من 12 5 مليون ليرة شهريا الأمر الذي زاد من الاستقالات والهروب من القطاع الحكومي وأجره الذي لا يزيد عن 280 ألف ليرة شهريا ولعل في أعداد الشباب المهاجرين إلى أوروبا أو الإمارات وأربيل في إقليم كردستان العراق على سبيل المثال أدلة على تفريغ سورية من الشباب والكفاءات واللجوء إلى العنصر النسائي لسد فراغ التسرب وحول الآثار يضيف المستشار الاقتصادي أنها هائلة وذات مستويات متعددة فهي تؤثر على بينة المجتمع والاقتصاد الكلي وليس الإنتاجي فقط وبالتفاصيل تنال من الإنتاج وكفاية السوق الداخلية وتؤثر على نوع وحجم الصادرات والأهم برأيه خسارة سورية الشباب والكفاءات المهنية والعلمية التي كلفت الكثير لأن من يستقيل ويهاجر قيلا ما يعود بواقع انسداد الأفق بأي حل بسورية ويعتبر القاضي أن المحافظة على قوى العمل والكفاءات فات أوانه خاصة في ظل تدني الأجور وأعباء المعيشة لافتا إلى آثار ترك العمل على الأسر وتعليم الأولاد وربما انجراف البعض إلى اقتصاد الحرام من تهريب وفساد ولا أخلاقيات بواقع نسبة فقر تزيد عن 90 وعلم العربي الجديد أن حكومة بشار الأسد ناقشت أخيرا آليات التعاطي مع القطاع الاقتصادي الإنتاجي فيما يخص موضوع الحوافز بمختلف أنواعها بما يضمن زيادة الإنتاج والإنتاجية والحفاظ على الكوادر الوطنية الخبيرة والمدربة واقترح مجلس الوزراء في دمشق تشجيع العمالة عبر منح الحوافز وربطها بزيادة الإنتاج والأرباح المحققة بحيث تكون الحوافز الممنوحة للعمال في القطاع الإنتاجي دافعا حقيقيا ومحفزا أساسيا لهم للارتقاء بنوعية العمل وزيادة الإنتاج والعدول عن الاستقالة بسبب تواضع الأجور الآتي أعظم ومخاطر اجتماعية كبيرة تشير مصادر متطابقة إلى أن ضعف الرواتب والأجور وغلاء أعباء المعيشة وأسعار السلع والمنتجات خلال الأعوام الأخيرة زادت من استقالة العمالة من القطاع الحكومي والتوجه إلى القطاع الخاص أو الهجرة إلى خارج القطر وذلك رغم تنبنه حكومة بشار الأسد وإصدارها قرارات بمنع قبول الاستقالات إلا بشروط وتهديد العامل بدفع غرامات وملاحقة قضائية إن تغيب عن العمل لأكثر من 16 يوما ويكشف الموظف الإداري في وزارة الصناعة خضر ش أن مئات الاستقالات متراكمة منذ العام الماضي ولم تتم الموافقة عليها رغم أن إنتاجية العامل متراجعة بسبب عدم توفر المواد الأولية وانقطاع الكهرباء وشح المحروقات عمليا لا يعمل الموظف الإنتاجي أكثر من ساعتين ويضيف الموظف الإداري خلال اتصال مع العربي الجديد أن العامل السوري مرتبط بمكان عمله لثماني ساعات ما يمنعه من عمل آخر يتدبر خلاله ولو بعض متطلبات المعيشة لأن أجر القطاع العام بالكاد يكفي لمصاريف يومين بواقع الغلاء الذي تشهده المنتجات وتهاوي سعر صرف الليرة السورية التي بلغت 15 ألفا مقابل الدولار الواحد في المقابل تشير مصادر إلى أن جل المستقيلين أو المتراكمة استقالاتهم من الذكور وفئة الشباب المتعلم تحديدا ما يزيد من تأنيث القطاع الاقتصادي وتراجع قوة العمل فيه من 3 5 ملايين شخص عام 2011 إلى أقل من 1 8 مليون عامل اليوم وتنبهت حكومة بشار الأسد منذ العام الماضي إلى زيادة استقالات العمال والموظفين والتوجه للقطاع الخاص أو الهجرة إلى خارج سورية فأصدرت في أغسطس آب 2022 تعميما يمنع تقديم الاستقالات وتشديد العقوبة لحق من يترك العمل تصل للمقاضاة والسجن ودفع غرامة مالية مع حرمانه من مستحقات نهاية الخدمة ولا يزل التعميم ساري المفعول حتى اليوم بحسب الإداري بوزارة الصناعة خضر الذي يضيف أن الاستقالات ممكن أن ينظر بها وتقبل لمن عمره أكثر من 55 عاما وأمضى في عمله أكثر من 30 عاما وعدا ذلك التعليمات واضحة برفض قبول أية استقالة وملاحقة المنقطعين عن العمل خلل ديمغرافي وتغيير هوية ويرى الخبير الاقتصادي السوري محمود حسين خلال حديثه لـالعربي الجديد أن تأنيث الاقتصاد خطر سيتعاظم بواقع استمرار هجرة الشباب والكفاءات معتبرا أن مستقبل سورية قاتم على صعيد الفئات العمرية ونسب الإناث على الذكور ما يجعل الخلل يتعدى الاقتصاد إلى أمراض اجتماعية كثيرة لا تبتعد آثارها عن الاقتصاد كالعنوسة وتعدد الزوجات وابتعاد الأطفال عن مقاعد الدراسة القضية تهديم ممنهج للمجتمع السوري بأداة نظام الأسد وللأسف بدعم دولي وحول توزع سكان سورية وأعداد المهاجرين يستشهد الاقتصادي السوري بآخر دراسة لـ مركز جسور للدراسات الذي قدر عدد سكان سورية بـ 26 مليونا و701 ألف و700 نسمة حتى نهاية عام 2023 منهم 16 مليونا و676 ألفا و500 نسمة داخل البلاد و9 ملايين و128 ألفا و200 نسمة خارج البلاد موزعين في مختلف أنحاء العالم بدوره اعتبر المحلل الاقتصادي أسامة قاضي أن هناك كوارث كبرى في الاقتصاد السوري والتأنيث ربما أبسطها موضحا خلال حديثه لـالعربي الجديد أن هناك فقدان ثقة في الاقتصاد والنظام الذي أدى إلى هجرة الأموال والمنشآت وهذا أهم ما يعانيه الاقتصاد السوري وستظهر نتائجه وآثاره تباعا كما أن هجرة الشباب والكفاءات العلمية والتخصصية تأتي ضمن المشاكل الكبرى فالاقتصاد السوري برأيه أفرغ من الكفاءات أصحاب الخبرات التراكمية ما أدى لمشاكل خطرة منها تراجع نوعية ومواصفات الإنتاج وغلبة العنصر النسائي بعضها ومن ثم يأتي تهديم بنى الاقتصاد وقدم خطوط الإنتاج يليه تراجع القدرة الشرائية والفقر ولا ننسى التسرب من مقاعد الدراسة وتراجع مستوى التعليم والذي برأيه مشكلة اقتصادية واجتماعية ستظهر آثارها على سورية المستقبل اما من غرائب المسكوت عنه وما كشف عنه مصدر مطلع في دمشق في تصريح لـالعربي الجديد أن بعض عمال القطاع الحكومي يدفعون رشوة لتتم الموافقة على استقالتهم بعد أن تم وضع شروط لقبول الاستقالة إثر الهروب الكبير من العمل ونقص الكفاءات والكوادر خاصة في وزارتي المالية والصناعة الأمر الذي أخل بتوازن قوة العمل وغلب عليه صفة التأنيث