يعتبر فعل القراءة فعلا معبرا عن النمو الفكري والعلمي للشعوب إذ كلما كانت نسبة القراءة واسعة بين صفوف سكان بلد ما اعتبر ذلك البلد متقدما وله نسبة وعي تجعله ذا مكانة محترمة بين الدول ذلك أن القراءة هي عصب انفتاح الأمم وتطورها في مجالات متعددة ارتبطت القراءة على مر التاريخ بالكتاب لكن هذا الفعل بدأ يتراجع بشكل كبير مع الانتشار الواسع للتكنولوجيا الحديثة بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي استهلكت وقت العديد من الناس لا سيما الشباب هذه الظاهرة العامة ساهمت في تراجع منسوب القراءة وارتباط الأشخاص بالكتاب بشكل عام فيما يتعلق بالعالم العربي لا تكاد تكون للقراءة مكانة باعتبارها ثقافة وطقسا يوميا في حياة الإنسان المنتمي لهذه الرقعة الجغرافية إلا من كانت له غاية بعينها في القراءة وهذا ما تؤكده العديد من التقارير الصادرة عن مجموعة من المنظمات والتي تثبت أن معدل القراءة السنوي للفرد لا يتجاوز ست دقائق تقرير لليونيسكو سنة 2019 إن الحديث عن موضوع القراءة يأتي في سياق ما أثير من نقاش في المعرض الدولي للكتاب بالرباط في دورته التاسعة والعشرين وبالتحديد ارتباطا بالكاتب السعودي أسامة المسلم الذي أحدث رجة في أركان المعرض وخارجه من خلال الحضور الغفير الذي تشكل في أغلبه من فئة الشباب هذه الفئة التي تكونت في مجملها انطلاقا من ملاحظة الصور والفيديوهات الموثقة للحدث من شباب قد لا تتجاوز سنهم العشرين لتوقيع واقتناء رواياته هو حدث بالفعل يدعو إلى طرح السؤال حول فعل القراءة في المغرب والعالم العربي بشكل عام هل استنهضت القراءة وصارت شعوب العالم العربي وشبابها يقرؤون أم أنها كانت كذلك وتلك فقط صورة خاطئة التصقت بها أم أن هذه المظاهر لا تعبر بالضرورة عن ارتفاع منسوب القراءة لدى الشباب تباينت الآراء والمواقف حول الحدث وأثير نقاش على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الخصوص صنف ذهب للقول بأن الحدث عرضي فقط لأن الكاتب يهتم وينشط بمواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير وبما أن أغلب رواد هذه الفضاءات هم الشباب كان له صيت واسع فتحقق ما شوهد في المعرض إضافة إلى نوعية الكتابات التي يكتبها المليئة بالسرد الخيالي بلغة بسيطة وهي التي تستهوي أغلب الشباب لا سيما الفئة التي كانت حاضرة بقوة صنف آخر استغرب وطرح السؤال كيف وصل هذا الكاتب لما وصل إليه من أتباع ومعجبين في ظل افتقار العديد من الكتاب الآخرين ولو إلى جزء يسير مما حققه هذا الكاتب من حضور واهتمام وبالتالي مبيعات خاصة أن منهم من يكتب في مواضيع فكرية تعالج قضايا إنسانية واجتماعية واقتصادية أكثر أهمية من روايات الخيال والفانتازيا هل تحقيق كاتب معين أكبر نسب مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي والحضور لاقتناء كتبه رواياته وتوقيعها يوحي بالضرورة برسوخه في العلم وتمكنه من آلياته صنف ثالث وهو الذي رأى في الحدث الصخرة التي انكسرت عليها الفكرة الرامية إلى ضعف القراءة بالدفع بأن الشباب يقرأ فقط يجب من يفهمه ويكتب له وفق أسلوب وتيمات خاصة به وأن المشكلة تكمن في المفكرين والكتاب الذين يكتبون بأساليب صعبة وفي مواضيع معقدة لا تهم هذه الفئة المعقود عليها أمل المستقبل وخير مثال هو أسامة المسلم الذي فهم الشباب بالتفاعل معهم وفق أساليبهم والكتابة من أجلهم وفق ما يستهويهم وبالتالي تحقق فعل القراءة وانتفت سردية عدم القراءة تنبعث من وحي هذا السجال أسئلة عديدة للتأمل في حقيقة ما جرى فهل حضور حشود غفيرة إلى معارض الكتب دليل على اتساع فعل القراءة ومقروئية الشعوب أو بصيغة أخرى هل مقياس باروميتر القراءة لدى الشعوب يكون بحجم حضورها في معارض أسواق الكتب أم بانعكاس القراءة في السلوكيات والرؤى ومستوى النقاشات ونوعية الاهتمامات الإعلامية لها فقد يكون الحضور الكبير مجرد سلوك عادي الدافع وراءه هو القيام بنشاط مختلف كون المعارض موسمية حيث يمكن أن يدخل لدى البعض في نشاط التبضع فقط لتكسير الروتين مثلما هو الحال مثلا بالنسبة لمن يزور المعرض الدولي للفلاحة فليس كل من يذهب إليه فلاحا وله غاية في ذلك وإنما قد يكون الباعث لزيارته إما القرب من المعرض أو حبا في الاكتشاف والتنزه وتغيير المعتاد خاصة إذا علمنا أن أبواب المكتبات تبقى مفتوحة طيلة السنة ولا تحقق نسبا كبيرة ممن يرتادونها كما في المعرض وبالتالي أعتقد أنه لا يمكن أن يحاجج المرء بأن هناك ثقافة قراءة استنادا للحضور الكثيف في معارض الكتب فذلك ليس معيارا وهل تحقيق كاتب معين أكبر نسب مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي والحضور لاقتناء كتبه رواياته وتوقيعها يوحي بالضرورة برسوخه في العلم وتمكنه من آلياته وبالتالي تصبح الغاية من الفكر والكتابة هي الوصول إلى أكبر نسبة من المتابعين Followers بدل الدراسة المتأنية والمعمقة للظواهر بمختلف أصنافها من أجل الرقي والتقدم إذا كان الشباب ليس الكل وإنما نسبيا اليوم يميل فقط إلى الأعمال التي تخاطب نزواته وترفعه من العالم الذي هو فيه إلى عوالم أخرى ولو كانت خيالية تثير نشوته وإذا كان الشباب اليوم في عصر السرعة هذا يميل إلى كل المحتويات القصيرة والسريعة وإذا كان الشباب اليوم لا يناقش القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الذي هو فيه بنوع من العمق والاهتمام بأكثر مما يهتم بالنقاشات الرائجة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ذات الاهتمامات السطحية والتافهة فهل يجب على أهل الفكر التقرب من هذا الشباب ومناقشة القضايا التي تستهويه بأسلوبه وآلياته حتى يتسنى لنا القول أن هناك قراءة أم يجب العمل والتفكير في استنهاض هذا الشباب مما هو فيه لمستوى أهل الفكر انطلاقا من كل ما سبق يظهر أن ثقافة الفيسبوك والتيك توك أصبحت أو يراد لها أن تتسرب إلى مجالات الفكر والعلم حتى يصبح المفكر الأستاذ الباحث يبحث عن عدد اللايكات Likes وعدد المتابعين Followers ليثبت جدارته العلمية في حين أن وظيفته الأساسية هي تحليل الواقع ودراسته باستحضار الماضي لمستقبل نير مما قد يجعلنا أمام تحول في مفهوم المؤثرين والنخبة باختلال التوازن بين أستاذ أو مفكر له كتابات رصينة ويناقش قضايا ذات راهنية والذي كان له في وقت مضى صيت واسع وبين شخص أحدث قناة أو صفحة على الشبكات الاجتماعية حقق من خلالها العديد من المتابعين بغض النظر عن محتواها وأصبح ينادى بـ المؤثر صحيح أن هذه الآليات الحديثة ينبغي الاستثمار فيها مواكبة لروح العصر وخدمة للعلم والفكر نفسه لكن ليس خدمة للسطحية والتفاهة في القضايا الآنية والمهمة للمجتمع وأول ما يستوجب القيام به على مجتمعات تسعى للنهوض والتقدم هو الكف عن التمسك بالأوهام لبلوغ إشباع زائف لطموحات وغايات لم نحققها على أرض الواقع والنظر إلى الأمور بشيء من العقلانية بدل النفخ في القرب الخاوية