بول مكارتني في وجه الذكاء الاصطناعي دقيقتان من الصمت
لم يغب الموسيقيّ البريطاني بول مكارتني (1942)، العضو البارز في فرقة ذا بيتلز، عن المشهد لمدة خمس سنوات، في ما يشبه صمتًا طويلًا عن الغناء والأداء، إلّا ليعود بتراكٍ صامتٍ مدته دقيقتان، ليس فيه ألحانٌ ولا كلمات، سوى ضوضاء خافتة وهمهمات تنحسر على طريقة الـFade-out المتعارف عليها في إنتاج الأغاني.
الغاية من ذلك التراك الصامت ليست فنيةً مفاهيمية، كتلك التي حدت بمؤلف ما بعد الحداثة، الأميركي جون كيج (John Cage)، إلى تأليف مقطوعته الأكثر شهرةً وإثارةً للجدل، المعنونة (4:33)، وتنصّ على أن يجلس العازفون من دون عزف وفي صمتٍ تام لمدة أربع دقائق وثلاثٍ وثلاثين ثانية، مُتيحين لأجواء القاعة الصوتية ملءَ المكان.
ما أراده مكارتني بالفعل هو صرخةُ احتجاجٍ مكتومة، على نقاشاتٍ داخل الحكومة البريطانية حول قوننةٍ جديدة، تُتيحُ للشركات المطوِّرة للذكاء الاصطناعي استخدام المنتجات الموسيقية المحميّة بموجب قوانين الملكية، لأجل تدريب نماذجها، وذلك بهدف جعلها مستقبلًا قادرةً على توليد الموسيقى بأجناسها المختلفة، وربما الإتيان بأجناس جديدة لم تخطر بعدُ على أذن إنسان.
الرسالة مفادها: لا تجعلوا من سرقة الموسيقى وسيلةًقانونيةً في حوزة شركات الذكاء الاصطناعي. تضمّنها ألبومٌ جديد بعنوان أهذا ما نريده؟ (Is This What We Want?) وقد ضمّ عددًا من النجوم القدامى والجدد، أمثال المغنية البريطانية كيت بوش، ومؤلّف موسيقى الأفلام الألماني هانز زِمر.
وقد اختير لتراك مكارتني الاحتجاجي عنوان أغنية إضافية (Bonus)، استلهامًا لحيلةٍ تسويقية تعتمدها شركات الإنتاج لدى إصدارها الأسطوانات، بأن تجعل واحدًا من التراكات مُدرجًا خارج اللائحة الأساسية، فيشعر المستهلك بأنّه حصل على أغنيةٍ إضافية لقاء شرائه الألبوم.
لا يغيب عن خيال أيّ مستمع أن غياب المحتوى عن التراك ما هو إلّا نذيرُ غيابٍ محتملٍ للإنسان عن صنع الموسيقى، تلك التي ارتبطت على الدوام، وحصريًّا، بما تعنيه. ألا وإن باتت اليوم تلك الصلة عرضةً للزوال، في معرض التطورات التكنولوجية غير المسبوقة في تاريخ البشرية، يأخذ الفنانون الأكثر شهرةً وتأثيرًا على عاتقهم دقَّ ناقوس الخطر، في وجه مآلِ مهنةٍ ونموذجِ صناعةٍ واقتصادٍ ونمطِ حياةٍ قد يُعدِم
ارسال الخبر الى: