بنيوية أم تفكيك من البنية المغلقة إلى الاختلاف
يشكّل المنهج البنيوي والمنهج التفكيكي لحظتين مُتمايزتين في مسار الفكر الفلسفي والنقدي المعاصر، وهما لحظتان ترتبطان ارتباطاً جدلياً من حيث النشأة والتأثير والامتداد. البنيوية نشأت بوصفها محاولة لتشييد علم للثقافة على غرار العلوم الدقيقة، أمّا التفكيك فقد ظهر كردّ فلسفي وإبستمولوجي على النزعة الصورية الصارمة للبنيوية. إنّ مقاربة المسارين معاً تكشف عن التحوّل العميق الذي عرفته الفلسفة في القرن العشرين، من البحث عن نسق علمي صلب إلى تفكيك كلّ مركز للمعنى، ومن تصوّر النص كبُنية مغلقة إلى النظر إليه كفضاء مفتوح على الاختلاف والتأجيل.
البنيوية من حيث المغزى الأساسي تُبنى على الفرضية التي بلورها العالم اللغوي السويسري فرديناند دو سوسور، الذي يُعتبر أب المدرسة البنيوية في اللسانيات، حيث اللغة نسق من العلاقات، والدال لا يُحيل إلى المدلول بذاته بل ضمن شبكة من الفروق. البنية إذن ليست مادة محسوسة بل نظام من العلاقات يتحدّد فيه كلّ عنصر بموقعه داخل النسق. هذه الفرضية الأولية سرعان ما انتقلت إلى مجالات أخرى: في الأنثروبولوجيا مع عالم الاجتماع والأنثربولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس، الذي رأى في الأساطير والعادات أنساقاً يمكن مقارنتها وفهمها من خلال بنيتها العميقة؛ في التحليل النفسي مع المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان، الذي أعاد قراءة عالم النفس سيغموند فرويد عبر بنية لغوية؛ وفي النقد الأدبي مع المفكر والناقد الأدبي الفرنسي رولان بارت، والمفكر الفرنسي البلغاري تزفيتان تودوروف، اللذين درسا النصوص بوصفها أنظمة دلالية مُغلقة على قوانينها الداخلية. ما يجمع هذه التطبيقات هو الرغبة في تجريد الظواهر الإنسانية من العرضي والتاريخي، والبحث عن قوانين عامة تحكمها، بما يشبه القوانين الطبيعية في الفيزياء أو الكيمياء.
نشأ التفكيك في سياق نقدي يهدف إلى تقويض صرامة البنيوية ونزعتها إلى إغلاق النصوص
تاريخياً، ظهرت البنيوية في النصف الأوّل من القرن العشرين، لكنها بلغت ذروتها في خمسينيات وستينياته. وقد لقيت رواجاً واسعاً في فرنسا خاصة، ثم انتشرت في أوروبا والولايات المتحدة، حتى صارت بمثابة النموذج المُهيمن في العلوم الإنسانية. كانت قوّتها تكمن في صرامتها المنهجية، وفي طموحها لتجاوز
ارسال الخبر الى: