بشرى خلفان في دلشاد سيرة الدم والذهب
تُستهل سيرة الدم والذهب، الجزء الثاني من دلشاد لـ بشرى خلفان (منشورات تكوين، الكويت)، بآخر ما يمكن لقارئ الجزء الأول أن يتوقعه: مولد دلشاد! إنّها اللعبة الأولى التي تخذل التوقّع حين يتعلَّق الأمر بنص متمِّم، ليُلوّح النص اللاحق، بادئاً بأنّه، وإن أتى استكمالاً لسابقه سيرة الجوع والشبع، فإنما، بالقوة نفسها، يسير بموازاته.
الاستهلال يتجاوز حدوده كتوطئة، إذ ينطوي على قيمة أساسية في زاوية الطرح. فنرى مولد دلشاد هذه المرة عبر مشهد بؤرته السلطة لا الرعية، يُبئّر صورةً لحاكم عُمان، محنيّاً رقبته لتكريم أوصيائه كما لو كان يحنيها لمشنقة. صرخة الأم تتقاطع هذه المرّة مع تحيات الرصاص الرسمية، لا صرخات الجوعى، وضحكة الرضيع لا تولد مناقضةً لتكشيرات المحكومين في الخيام التي ينتمي إليها، كما في استهلال الجزء الأول، بل لتكشيرة السلطة في الحصون؛ وكأنّ دلشاد يولد مرتين: مرة على هامش المحكومين، ومرة على هامش الحُكّام!
الاستهلال نفسه يُسرَد بصيغة الراوي العليم، ليصبح الفصل الوحيد بامتداد الجزأين المكتوب عبر وجهة نظر غير ذاتية، كأن السلطة العليمة تستكثر على أصوات المهمشين أن تتناولها مباشرةً بغير سارد عليم.
أما البحر، فيُقدَّم بدوره كمكان للسلطة من اللحظة الأولى: يقطعه الحاكم بحثاً عن حصانته، فيبدو كأنه صار حكراً على نجاة السلطة، حتى أن دلشاد عندما يتجرأ ليعبره بحثاً عن ابنته، سيفقد ذاكرته، بالأحرى هويته، ثم يُحبس إلى النهاية، كأن عبور البحر هو الجوهر الاستعاري لجرم الرعية.
تغور المحكية في عالم عمان ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية
من هنا، تنطلق سيرة الدم والذهب مُكملة رسم جدارية رسم الجزء السابق سيرة الجوع والشبع جناحها الأول، ناهضاً برحلة دلشاد، اليتيم الفقير الضاحك، العربي مجهول النسب، أعجمي الاسم، الذي ينشأ، فوق غربته، غريباً بين البلوش، ثم حين يحب ويتزوج، تموت امرأته تاركة له ابنة مريم، لن يلبث أن يعهد بها بدورها إلى يتم واغتراب جديدين، عاهداً بها إلى بيت تعمل فيه، ثم تصبح سيدته بالزواج من صاحبه عبد اللطيف لوماه، قبل أن تخوض، بموته، رحلة اغتراب جديدة بابنتها
ارسال الخبر الى: