بسطات جسر الرئيس انتهاء حديث دام 25 عاما مع بائعي الكتب
٤٥ مشاهدة
يصطف مئات الموظفين وطلاب المدارس والعمال يوميا في طرقات دمشق عند تقاطع شارع الثورة وتحت جسر الرئيس منتظرين وسيلة نقل عامة يستطيعون استقلالها في أزمة المواصلات الخانقة التي تعانيها العاصمة السورية منذ شهر ونصف تبقى صفوف الناس في الانتظار والتدافع حتى ساعات الليل تغزو العشوائيات مختلف المناطق في دمشق مثل سوس ينخر ولا يتوقف تكسو أسطح المباني ألواح الطاقة الشمسية كحل فردي لأزمة الكهرباء التي لم تنته منذ عشر سنوات إلى جانبها تتربع خزانات المياه البلاستيكية الحمراء وتتجمع القمامة عند الزوايا وتطوف من الحاويات يتجمع فوقها النباشون أطفالا ونساء ورجالا يفرزونها بحثا عن لقمة عيشهم تنتشر الأكشاك التي خصصت للعساكر المصابين إذ يحق لكل عسكري مصاب بإعاقة ترخيص كشك تحتل أكشاك بيع الدخان المهرب والمشروبات الأرصفة تسود الظلمة شوارع دمشق ليلا فلا قدرة للمحافظة على إيجاد حل للكهرباء كون الدولة لم تستطع إيجاد حل لها فهي ليست مسؤولية المحافظة تنتشر بسطات تبيع كل المنتجات بسطات متنوعة من الهواتف والأدوات الإلكترونية المسروقة بغالبها إلى بسطات بيع الغذائيات التي تقدمها مؤسسات الإغاثة يغزو الفقر سورية وينهش وجهها لا جماليات في وجه الفقر بإمكان الجوع تدمير أي معلم جمالي لا شيء للسوري في سورية ولا أحد يكترث لجماليات شارع ليس له إلا أن محافظة دمشق كان لها رأي آخر ففي وسط الحرب الدائرة في كل من غزة ولبنان تقصف المدن السورية يوميا ويكتفي الإعلام الرسمي بتوضيح تعرض سورية لضربة من دون أي بيانات وتصريحات أخرى يزال الردم والدمار بعد كل ضربة وتستمر الحياة اليومية لملاحقة لقمة العيش في شوارع دمشق أما المحافظة فتقرر في 17 أكتوبر تشرين الأول الماضي الإغارة على منطقة تعرف بـتحت الجسر مستهدفة أكشاك الكتب المستعملة التي ارتأت اليوم أنها تشوه جماليات المدينة بواسطة شاحنات وجرافة توجهت المحافظة إلى تحت الجسر لتعطي أصحاب الكتب مهلة ساعة لنقل ممتلكاتهم التي يصل عددها كما يقول أبو هيثم صاحب إحدى البسطات إلى أكثر من 100 ألف كتاب لم يستطع تأمين نقلها وجرفت وكدست ونقلت للحجز ليغدو تحت الجسر عاريا يشكل جسر الرئيس وما تحته منطقة حيوية مهمة من العاصمة فهو متربع وسط نقطة التقاء كليات جامعة دمشق وهو حلقة وصل بين العديد من المناطق خصوصا عشوائيات دمشق فهو كراج تنطلق منه الميكروباصات لمختلف المناطق أما تحته وإلى جانب الركاب المنتظرين تتربع البسطات والسيارات والباصات وعلى يمين تحت الجسر تفترش الأرض منذ 25 عاما بسطات الكتب المستعملة التي تحضر في ذاكرة طلاب الجامعات وأي مثقف سوري كانت هذه البسطات وأصحابها متنفسا للعديد من السوريين إذ تباع عليها الكتب بأسعار رمزية إضافة إلى احتوائها على عناوين وطبعات نادرة ويشكل أصحابها مثل الراحل أبو طلال مرجعا للعديد من الطلاب بذاكرتهم واطلاعهم تحت الجسر نستطيع أن نجد الطبعة الأولى لديوان وعل في الغابة لرياض الصالح الحسين ونستطيع تأمين مجلة الكرمل والعربي وأعداد مجلة الوحدة بإمكاننا أن نوصي العم أبو هيثم ليؤمن لنا كتابا مفقودا وبالإمكان فتح حديث لساعات مع أصحاب الكتب عن الشعر والأدب والمسرح شكلت هذه الكتب في السنوات الأخيرة بعد انقطاع سورية عن استيراد الكتب وإغلاق المكتبات ودور النشر أبوابها مثل مكتبة نوبل وميسلون المرجع الوحيد للعديد من الناس رغم الصعوبات التي عانتها البسطات بعد توسع انتشار سوق الكتب المقرصنة ظلت هذه المكتبات صامدة بالرغم من أنها لا تقدم ما يكفي قوت يوم أصحابها إذ غزت الكتب المقرصنة مكتبات دمشق فنجد الكتاب المسروق معروضا تحت اسم دار نشر وهمية وبسعر لا يعادل الـ20 من سعره الأصلي رفض عام 2018 أصحاب هذه البسطات وجود الكتب المقرصنة بينهم وحافظوا على وتيرة عملهم كما كانت سابقا ليتحولوا مع الزمن إلى ما يشبه الأنتيكا وجودهم كان يطغى على قباحة جسر الرئيس فتلك البسطات وأصحابها هي المعلم الجمالي الوحيد في منطقة تعج بالقبح استنكر العديد من العاملين في مجال الثقافة قرار المحافظة ورفعوا بيانا إلى وزارة الثقافة لإدانة الانتهاك الذي تعرضت له هذه البسطات وأصحابها ولكن رد المحافظة كان بالرفض مشيرا إلى أن القرار نهائي بحجة أنه كان عليه أن يطبق منذ عام بعد الخطة التي وضعتها المحافظة لإعادة تأهيل المنطقة عبر إحدى الشركات التي لم تعلن عن نفسها ولكنها أعلنت أن التشويه البصري في دمشق عليه أن يتوقف بعد اعتراض المثقفين والفنانين أقرت المحافظة أن أصحاب الكتب المصادرة بإمكانهم أن يتسلموها من الحجز ولكن ليس باستطاعتهم إعادة فتح بسطاتهم وفي المقابل تسعى هي إلى إيجاد بديل لهم خارج طرقات دمشق الرئيسية يقول أبو هيثم هذا قتل بطيء عملي مرتبط بهذا المكان الآن سترمينا المحافظة خارج دمشق في الضواحي كما فعلت بسوق الحرف اليدوية كان أبو هيثم يشعر منذ العام الماضي بعد إغلاق سوق الحرف اليدوية التاريخي في منطقة التكية السليمانية بأن عملهم لن يدوم وبأن الشارع ليس ملكهم فبقرار يشبه الذي طبق اليوم ولكن أسبابه كانت أوضح قررت المحافظة إغلاق سوق الحرف اليدوية لكي تستثمر الأمانة السورية للتنمية بالتكية السليمانية الأمانة السورية مؤسسة لاربحية تشرف عليها وتديرها أسماء الأسد لا تبعد التكية السليمانية عن تحت الجسر أكثر من خمس دقائق مشيا أقامت فيها الأمانة السورية مشاريع صناعة صابون بعد إغلاق محلات البروكار والفضة والسجاد على زاوية جسر الرئيس ويمين مقبرة الكتب يقع أيضا مشروع الوردة الدمشقية وهو مشروع لـالأمانة السورية للتنمية أنشئ على أرض مدينة المعارض وتوقف العمل فيه عام 2011 ويمهد لعودة العمل به اليوم بعد أن استخدم مركزا لتجميع عناصر الأمن خلال سنوات الثورة كانت هذه البسطات وأصحابها يقفون في منتصف احتكارات الأمانة السورية التي تحاول رسم الصورة الثقافية الجديدة للمدينة على العكس من أبو هيثم يرى محمود وهو صاحب بسطة صغيرة بدأ بالعمل إلى جانب سوق الكتب المستعملة بعد أن رفض العمل بسوق الكتب المقرصنة أن الدافع وراء فعل المحافظة هو فشل معرض الكتاب الذي افتتح في السابع من الشهر الماضي وشهد إقبالا ضعيفا لا تقتصر محاولات تشويه ما بقي من دمشق على سوق الكتب فالأخبار والشائعات تنتشر في سورية يوميا إذ تتداول الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشوارع أن المحافظة باعت حديقتي السبكي والجاحظ وهما من المناطق الخضراء القليلة والأخيرة التي بقيت في وسط دمشق إلى مستثمرين لكي يقيموا مكانهما كراجا للسيارات للتخفيف من الازدحام المروري ينتظر اليوم أبو هيثم ومحمود استعادة ما بقي من كتبهما التي لم تمزق وتتلف أثناء الجرف ويتأملون حلولا لا يكونان فيها قد أفسدوا المشهد البصري لقلة من الناس تحكم المدينة