بدائل روسية لتصدير الغاز بعيدا عن أوكرانيا واضطرابات لأوروبا
٤٢ مشاهدة
ربما خسرت روسيا جزءا من إيرادات الغاز بعد أن أغلقت أوكرانيا خط الأنابيب الذي ينقل الإمدادات الروسية إلى أوروبا عبر أراضيها لكن موسكو تمتلك بالفعل بدائل عدة تتيح لها شحن الوقود دون أن تتعرض لضرر اقتصادي بالغ على عكس كييف التي ستتضرر بشكل أكبر مثل حلفائها الأوربيين كما أن قطع الغاز الروسي سيزعزع حكومات موالية للغرب في بلدان مجاورة مثلما هو الحال في مولدوفا التي تواجه أزمة طاقة خانقة وتبدو مسارات تصدير الغاز إلى الصين وآسيا الوسطى وكذلك إلى تركيا التي باتت مؤهلة بوصفها نقطة عبور بديلة إلى أوروبا أكثر حضورا في المشهد حيث تخطط روسيا لتوسيع صادراتها عبر هذه المسارات وفي مؤتمره الصحافي في التاسع عشر من ديسمبر كانون الأول الماضي أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ثقته في قدرة شركة الغاز الروسي العملاقة غازبروم على التكيف مع انتهاء النقل عبر خطوط الأنابيب عبر أوكرانيا وأشار إلى أنه بجانب تصدير الغاز الطبيعي عبر الأنابيب ستزيد بلاده شحنات تصدير الغاز المسال قائلا سنواصل زيادة حصتنا في أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية رغم العقوبات التي تهدف إلى وقف هذا النمو وتشير التقديرات إلى أن شحنات الغاز إلى الصين التي تتفوق على أوروبا بما هي أكبر سوق للغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب وصلت إلى مستوى قياسي بلغ حوالي 31 مليار متر مكعب في عام 2024 ويرجح أن ترتفع إلى 38 مليار متر مكعب هذا العام مع وصول خط باور أوف سيبيريا إلى كامل طاقته المستهدفة هذا الرقم يعوض نصف الكميات التي فقدت بعد توقف العبور عبر أوكرانيا وفقا لتقديرات سيرغي فاكونلينكو الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي كما قد تبيع غازبروم المزيد من الغاز عبر خط أنابيب ترك ستريم الذي يربط مباشرة بين روسيا وتركيا عبر البحر الأسود ويساعد أيضا في تزويد بعض العملاء الأوروبيين وفي عام 2025 قد تبيع غازبروم 25 مليار متر مكعب لتركيا و15 مليار متر مكعب لأوروبا عبر ترك ستريم بحسب تقديرات فاكونلينكو التي نقلتها وكالة بلومبيرغ الأميركية ورغم الدعوات الأوروبية لحظر الغاز الطبيعي المسال الروسي تسجل أوروبا مستويات قياسية من حيث شراء هذا الوقود وذلك بشكل رئيسي من مصنع يامال للغاز الطبيعي المسال بقيادة شركة نوفاتك وتجاوزت الكميات المصدرة ما كانت تبيعه روسيا عبر أوكرانيا قبل الأول من يناير كانون الثاني الجاري عندما أغلقت كييف التي ترفض السماح بأي عبور يمول آلة الحرب الروسية المسار الذي استمر استخدامه لنحو خمسة عقود عبر أراضيها وتسلط هذه التطورات الضوء على صعوبة قطع أوروبا علاقاتها مع روسيا التي عززت مكانتها موردا رئيسيا للسلع الأساسية للقارة على مدى العقد الماضي كما تشير إلى كيف أن غزو أوكرانيا في فبراير شباط 2022 أجبر روسيا على إعادة ترتيب شبكتها التجارية ومع ذلك أظهرت موسكو أنها حتى عند إغلاق إحدى الطرق إلى الأسواق غالبا ما تجد أخرى مفتوحة فقد وصلت صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المسال إلى مستوى قياسي العام الماضي وفقا لبيانات تتبع الشحن وقالت تاتيانا أورلوفا المحللة في مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس البحثية البريطانية إن توقف معظم صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا مسبقا يعني أن إغلاق الخط الأوكراني لن يؤثر كثيرا على الاقتصاد وأضافت تاتيانا وفق تقرير بلومبيرغ ستظل أوروبا بحاجة إلى الغاز حيث إن كل جهودها للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي لم تنجح وأشارت إلى أن من المحتمل أن ينتهي بها الحال إلى شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الروسي لتعويض الانخفاض في واردات الغاز الطبيعي من روسيا وباعت غازبروم حوالي 6 مليارات دولار من الغاز عبر أوكرانيا في عام 2024 وفقا لحسابات بلومبيرغ ومع ذلك يتوقع معظم الاقتصاديين والباحثين تأثيرا محدودا على الاقتصاد جراء فقدان هذه المبيعات وتشير تقديرات المحللين إلى أن روسيا ستفقد ما يعادل حوالي 0 2 إلى 0 3 من الناتج المحلي الإجمالي جسور تركية لعبور الغاز الروسي إلى أوروبا ويشير محللون في قطاع الطاقة إلى أن انتهاء أجل اتفاقية عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا مطلع العام الجاري يفتح المجال أمام تركيا لتعزيز مكانتها جسرا لعبور الغاز الروسي نحو القارة العجوز عبر خط ترك ستريم السيل التركي وقبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 2022 كانت روسيا المورد الأكبر للغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بنسبة 45 من مجمل الاستهلاك الأوروبي للغاز بفضل استثمارات بمليارات الدولارات في خطوط الأنابيب ورغم أن حصة روسيا في محفظة الغاز الأوروبية بلغت 201 7 مليار متر مكعب في عام 2018 فإن هذه الكمية انخفضت بشكل كبير إلى نحو 35 مليار متر مكعب في عام 2023 ومن هذه الكمية تم نقل 15 مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب التي تمر بأوكرانيا في 2023 وارتفع قليلا إلى قرابة 16 مليارا في 2024 بينما تم تسليم الباقي على شكل غاز طبيعي مسال ونتيجة للعقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب فقدت روسيا العديد من عملائها لصالح موردي الغاز الطبيعي المسال مثل الولايات المتحدة وقطر وكذلك لصالح النرويج التي عززت قدرتها الإنتاجية ومع إغلاق خطوط الأنابيب الرئيسية التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا مثل نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2 وخط يامال أوروبا يبرز خط أنابيب ترك ستريم الذي يمر عبر تركيا بما هي مسار النقل الوحيد للغاز الروسي إلى أوروبا في حال توقفت الإمدادات عبر أوكرانيا بشكل تام وجرى إطلاق مشروع ترك ستريم في يناير كانون الثاني 2020 بموجب اتفاق بين تركيا وروسيا وهو يتمتع بقدرة نقل كبيرة تجعله محط أنظار في معادلة الطاقة ويتألف المشروع من خطين تبلغ طاقة كل منهما 15 75 مليار متر مكعب سنويا وحتى الآن تمكن المشروع من نقل أكثر من 40 مليار متر مكعب من الغاز إلى تركيا و53 مليار متر مكعب إلى أوروبا ووفقا لمسؤولين روس فإن استخدام ترك ستريم يمكن روسيا من نقل ما يصل إلى 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا وفي حديث لوكالة الأناضول قال تاماس بلتسر محلل النفط والغاز في شركة إرسته إنفستمنت إن قرار أوكرانيا الأخير يدفع روسيا بشكل غير مباشر إلى زيادة صادرات الغاز عبر السوق التركية وأضاف بلتسر بسبب إغلاق المسارات الرئيسية لنقل الغاز الروسي أصبحت السوق التركية نقطة خروج أكثر أهمية لصادرات الغاز الروسي بدوره أشار أكيرا ياناغيساوا كبير الاقتصاديين في معهد اقتصاديات الطاقة الياباني إلى أن حوالي 45 مليار متر مكعب من الغاز كان يتم نقلها سنويا عبر أوكرانيا من روسيا إلى أوروبا قبل توقف الإمدادات وقال ياناغيساوا وفق الأناضول نتيجة لذلك ستضطر أوروبا الآن إلى سد الفجوة في الغاز إما عبر استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج أو زيادة تدفق الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا عبر تركيا وعملت تركيا خلال العقدين الماضيين على زيادة قدرتها على تأمين الغاز الطبيعي المسال من خلال إنشاء مراكز تخزين وإعادة تغويز الغاز الطبيعي المسال تحويله من الحالة السائلة إلى الغازية وتطوير بنيته التحتية كما وقعت تركيا عام 2024 اتفاقيات لاستيراد ما يقرب من 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال وبجانب الخيارين الصيني والتركي تخطط روسيا لإعادة توجيه بعض الوقود إلى دول آسيا الوسطى وزيادة قدرة خط أنابيب قديم من الحقبة السوفييتية يربط بين روسيا وأوزبكستان عبر كازاخستان سياسيا تمنح قضية الغاز الكرملين فرصة لإظهار أن بوتين ليس في عزلة وقال سيرغي ماركوف مستشار سياسي قريب من الكرملين بالنسبة لموسكو من المهم للغاية أن يتم كسر الحصار الدبلوماسي للمرة الثانية وأشار ماركوف وفق ما نقلت بلومبيرغ إلى زيارة مفاجئة قام بها رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو إلى موسكو في 23 ديسمبر كانون الأول الماضي لمناقشة الغاز وقضايا أخرى وكان فيكو ثاني زعيم أوروبي يزور موسكو منذ غزو روسيا لأوكرانيا بعد زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في يوليو تموز الماضي وقال بوتين الشهر الماضي إن روسيا مستعدة لشحن الغاز إلى أوروبا لكنه حذر من أن أي اتفاق جديد قد يكون معقدا خاصة في ظل ارتفاع الأسعار الناتج من نقص الإمدادات التي تواجهها أوروبا حاليا رغبة أميركية في الاستحواذ على السوق الأوروبية مع ذلك قد تواجه خطط الغاز عبر الأنابيب والغاز الطبيعي المسال تحديات خاصة بها فبينما تهدف روسيا إلى بدء الصادرات عبر خط ثان إلى الصين خلال عامين توقفت المفاوضات بشأن خط أنابيب ثالث بسبب الخلافات حول الشروط وتسعى روسيا إلى مضاعفة صادرات الغاز الطبيعي المسال ثلاث مرات لتصل إلى 100 مليون طن بحلول عام 2035 مقارنة بـ33 مليون طن العام الماضي لكن العقوبات الغربية المفروضة على جميع المشاريع المستقبلية الرئيسية وأساطيل ناقلات الغاز المسال تجعل هذه الخطة أكثر تعقيدا وعرقلت العقوبات بالفعل طموحات روسيا في نمو صادرات الغاز المسال وبينما تمكن أحدث مشاريع شركة نوفاتك وهو مشروع أركتيك LNG 2 من بدء صادرات محدودة في العام الماضي قيدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وصول المصنع إلى ناقلات الجليد اللازمة للإبحار في المياه الشمالية المتجمدة وأبعدت المشترين الأجانب عن شراء الشحنات وقال كلاوديو شتوير مستشار الطاقة وأستاذ في آي إتش آر دي سي في بوسطن لبلوميبرغ مر مشهد الغاز الطبيعي والغاز المسال بتغيرات كبيرة لروسيا في السنوات الثلاث الأخيرة مضيفا أن هذا يتطلب استثمارات وجهودا أكبر لأعمال أقل ربحية مع حاجة روسيا الآن للبحث عن عملاء أكثر تأثرا بالأسعار في أسواق أبعد وخلال العام الجاري سيكون التركيز على قرارات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بشأن العقوبات المفروضة على روسيا حيث تزداد الأمور تعقيدا مع طموحات الولايات المتحدة الخاصة بتزويد أوروبا بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال نقص المخزونات الأوروبية وزعزعة استقرار الموالين للغرب ويأتي إيقاف أوكرانيا الغاز الروسي العابر أراضيها في وقت تشهد فيه مستويات تخزين الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي معدلات أقل من المتوسط بسبب عمليات السحب بغرض التدفئة خلال الطقس البارد ما يدفع الأسعار إلى الصعود وقالت سامانثا دارت الرئيسة المشاركة لبحوث السلع العالمية في بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس إن الطقس البارد سيضغط على أسعار الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي للارتفاع وبحلول يوم الجمعة الماضي وصلت أسعار الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ أكثر من عام متجاوزة 50 يورو ميغاواط ساعة وقالت دارت وفق تقرير لنشرة أويل برايس الأميركية المتخصصة في الطاقة بينما كان العنوان الرئيسي هذا الأسبوع في مجال الغاز الطبيعي هو توقف تدفقات الغاز الروسي المتبقية عبر أوكرانيا فإن المحرك الرئيسي لتشديد أساسيات الغاز في شمال غرب أوروبا هذا الشتاء هو الطقس الأكثر برودة من المتوسط المتوقع خلال الأسبوعين المقبلين وأضافت إذا تحققت هذه التوقعات الباردة دون تعويضات أخرى فإننا نرى مخاطر كبيرة تتمثل في ارتفاع الأسعار إلى ما بين 63 و84 يورو ميغاواط ساعة في الأشهر المقبلة وهو ما يتجاوز بكثير التوقعات السابقة عند 40 يورو ميغاواط ساعة لعام 2025 في ظل الطقس المتوسط وتظهر أحدث البيانات أن مخزونات الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي ممتلئة بنسبة 71 8 في بداية العام الجديد وهو ما يقل كثيرا عن متوسط 16 عاما الذي بلغ 74 29 لنفس النقطة الزمنية ويشير هذا إلى أن زيادة الطلب على التدفئة وتقليص الإمدادات من شأنهما أن يجبرا القارة على استنزاف الإمدادات بأسرع معدل في أربع سنوات وقال وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو على فيسبوك وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية أمس الثلاثاء إن أوكرانيا وضعت مرة أخرى اقتصاد الاتحاد الأوروبي في موقف صعب برفضها عبور الغاز الروسي وأشار إلى أنه بعد توقف عبور الغاز من روسيا قفزت أسعار الوقود في أوروبا بنسبة 20 ولفت إلى أن أوكرانيا يجب أن تمتثل لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والتي تنص من بين أمور أخرى على الحفاظ على إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا كما أن إيقاف أوكرانيا عبور الغاز الروسي يعد بمثابة فرصة ثمينة أيضا لموسكو التي تسعى إلى استخدام قطع الإمدادات في جزء من جهد منسق لإضعاف الحكومة الموالية للغرب في مولدوفا الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا العضو في الاتحاد الأوروبي حيث يهدف الكرملين إلى استعادة النفوذ والسيطرة وتسعى مولدوفا إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على روسيا لكن هذا سيستغرق وقتا وقد يكون مكلفا وفق تحليل لنشرة أويل برايس مشيرا إلى أنه ربما تأمل روسيا في استغلال الوضع لتفاقم التوتر بين حكومة مولدوفا من جانب والسلطات والمواطنين في إقليم ترانسنيستريا جنوب مولدوفا الموالي لموسكو وإثارة السخط إزاء ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء البلاد